أعلان الهيدر

للنشر في مدونة محكمة النقد يرجى إرسال المادة مرفقة بالصورة على العنوان الآتي :
lagrahocine@gmail.com
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك.

الجمعة، 10 أبريل 2015

الرئيسية أعْظَمُ سَلاطِينِ الأرْضِ في عَهْدِه .. بقلم الأستاذ : عصام علوش ـ سوريا ـ

أعْظَمُ سَلاطِينِ الأرْضِ في عَهْدِه .. بقلم الأستاذ : عصام علوش ـ سوريا ـ

 
بقلم الأستاذ : عصام علوش ـ سوريا ـ
أعْظَمُ سَلاطِينِ الأرْضِ في عَهْدِه

أعْظَمُ سَلاطِينِ الأرْضِ في عَهْدِه ، وأعْظَمُ خُلفاء بني العبَّاس ، هو القائل للسَّحابة : أمْطِري حيثما شِئْتِ فسيأتيني خَراجُك . إنَّه أمير المؤمنين هارونُ بْنُ المَهديِّ بن عبد الله المنصور ، المُلقَّب بهارون الرَّشيد ، يرجع نسبه إلى العبَّاس بن عبد المُطَّلب رضي الله عنه ، ما اخْتُلِفَ في رَجُلٍ قدر ما اخْتُلِفَ فيه ، وما افْتُرِيَ على رَجُلٍ قدر ما افْتُرِيَ عليه ، تواطأتْ على تشويه صُورته أممُ الأرض ، وأعداءُ الإسلام والمسلمين ، وهو الخليفة الحاجُّ الغازي الذي حَجَّ تِسْعَ مَرَّات ، وكان يحجُّ عامًا ويغزو عامًا ، كتب إلى نِقْفور ملك الرُّوم : من هارونَ أمير المؤمنين إلى نقفورَ كلب الرُّوم ، والجواب ما تراه دون ما تسمعه يا بْن الكافِرة " لمَّا امتنع هذا الأخيرُ عن دفع الجزية قبل أن يرى جيش المسلمين عيانًا ...هذا الخليفة في جانبٍ آخرَ من حياته كان شاعرًا مُرْهَفَ الحِسِّ رقيقَ المشاعر مُفعمًا بالحُبِّ والصِّفاء والنَّقاء ، مُتدفِّقَ العاطفة ، له في الغزل وغيره شِعْرٌ عذبٌ رقيقٌ مُعجِبٌ مُطْرِبٌ ، فاستمِعْ إذا شئتَ إلى قوله :
وتـنالُ مِـنـْـكَ بـحَـدِّ مُـقــلَـتـــــها
مـا لا يـَـنالُ بـحَــــــــدِّهِ الـنَّصْــلُ
شَـغَـلـتْـكَ وهي لكـلِّ ذي بَــــصَـرٍ
لاقى مَـحـاسِـنَ وَجْـهِـهـا شُـغْـــلُ
فـلِـقـلْـبــهـا حـِـلْـمٌ يـُـبــاعـِـــدُهـا
عـن ذي الــهوى ولطَرْفِها جَهْـلُ
وإذا نـظـرْتَ إلى مَـحـــاسِــنـِهـا
فــبـكُـلِّ مَـوْضِـعِ نَـظْـــــرَةٍ قـتْـلُ
ولـوَجْـهِـهـا من وجْـهِـــهـا قـمَـرٌ
ولـعَـيْـنِـهـا مـن عَـيْـنِـهـا كُــحْـلُ
أو استمِعْ إذا رغبْتَ إلى قوله الطَّريف الظَّريف اللَّطيف :
لِسـاني كَـتــــومٌ لأسْـــــــــرارِهْـم
ودَمْـعـي بـسِـرِّي نَـمـومٌ مُـــذيــعْ
فلوْلا دُمُوعي كــــــــــتمْتُ الهوى
 ولولا الهوى لمْ يـكـنْ لي دُمُوعْ
واستمِعْ إليه وهو يمازح محبوبته ثم تأمَّل معي ردَّة فعل كلٍّ منهما ، و تأمَّلْ كذلك قدرته الفائقة على التَّلاعُب بالمعاني والألفاظ :
إنَّ الَّـتي عَـذَّبـَـتْ نَـفْـسي بـما قــدَرَتْ
كُـلَّ العـذاب فـمـا أبْـقَــتْ ولا تَــــرَكَتْ
مازحْـتـُها فبكتْ واسْتعْـبَـــرَتْ جَـزَعًـا
 عـنِّي فـلـمَّا رأتْـني بـاكـيًـا ضَـحِـكَـت
فعُدْتُ أضحكُ مسرورًا لـضِحْـكـــتــِها
حـتَّى إذا مـا رأتْـني ضاحِـكًا فــبَـكـتْ
واستمِعْ إليه وهو يعترف بأثر الحبِّ على جسمه الذَّاوي النَّحيل وقلبه المَكويِّ العليل :
صَـيـَّـرَني الـحُـبُّ إلى مـا تـرى
 أنْـحَـلَ جسْـمي ولـقـلـبي كـوَى
قـد كـتَـبَ الحُبُّ على جَـبـْهــتي
هـذا قـتـيـلٌ في سَـبــيـل الهوى
واسْتمِعْ إليه أيضًا وهو يُظهر التَّماسُك والتَّجلُّد والتَّصبُّر ردًّا على صدُود المحبوب وهجرانه :
أيـَـا مَـنْ ردَّ ودِّي الأمْــس لا أُعْـطِــيــكَــهُ الــيَــوْمَـا
ولا واللهِ لا أعـْـطــيــــــكَ إلا الــصَّـــــدَّ والــلَّـــوْمَـــا
وإنْ كــان بـقــلــبـي مـنـكَ حُـــبٌّ يَـمْــنَــعُ الـنَّــوْمـَـا
أيـَامْـن سُــمْـتُـهُ الـوَصْلَ فـأغْـلى الـمَـهْـرَ والسَّـوْمَـا
والحقُّ أنَّ شعر الرَّشيد لم يكن كلُّه في الحُبِّ والغزَل والنَّسيب وإنْ كان هذا أخذ حيِّزًا لا بأسَ به من شعره الَّذي وصلَنا ، فقد كانت تؤرِّقه قضيَّة ولاية العهد التي جعلها لابنه الأمين ، ثم لأخيه المأمون ، فكتب لهما بذلك عَهْدًا أوْدَعَهُ في الكعبة ، فكان يُردِّد :
قــلِّــدْ أمُــورَ عِــبـــادِ الله ذا ثـِـــــقَــةٍ
مُـوَحـَّـدَ الــرَّأْيِ لا نـِكْـــسٌ ولا بَـــرِمُ
واتْـركْ مَـقـالـة أقـوام ذوي خَـــــطَـلٍ
لا يـفـهـمـون إذا مـا مَـعْـشرٌ فـهـِمُـوا
ثم هو لا ينسى أنْ يُوصيَ ابنه الأمين أن يحبَّ أخاه المأمون وألَّا يُبْغضه ، ولا يُغْفِل أنْ يُحذِّرَ كلًّا منهما من عاقبة الخلاف والنِّزاع والشِّقاق ، واسْتعجالِ الُّسلْطة والتَّسابُقِ إليها ، وكأنَّه كان يخشى أنْ يحدث ما حدث بعد موته بينهما فِعلاً :
مُـحَـمَّـدُ لا تـُـبـْـغِــْض أخــــــــــــاكَ فــإنَّــهُ
 يَـعُــودُ عـلـيْـكَ الـبَـغْيُ إنْ كــنـْتَ بـاغِــيـا
فـلا تـَعـْجـَلا فـالـدَّهْـرُ فـــــــــــــيـه كِـفـايَـةٌ
 إذا مــالَ بـالأقــوام لــم يُــبـْــقِ بـاقـِـــيــا
قلتُ لصديقي : لم تذكر لنا شيئًا عن طُرَفِ أبي نُوَاسٍ الشَّاعر مع الرَّشيد هذه الطُّرَفُ الَّتي ملأتِ الرِّواياتِ والمَوْروثَ الشَّعْبيَّ وكتبَ الأدب ! فضحك ضِحْكةً عالية ، لم يكن من عادته أن يضحكها من قبلُ ، ثم قال : وهل صَدِّقتَ ؟ هل تعلم أنَّه ثبت بالتَّحقيق أنَّ الرَّشيد لم يجتمع بأبي نُوَاسٍ في مَجْلسٍ على الإطلاق ، فقلتُ مُتعجِّبًا : على الإطلاق ! فقالَ : على الإطلاق .
عصام علوش .

يتم التشغيل بواسطة Blogger.