عمادة الشعر
.. من تقاليد الشعر
بقلم الأستاذ
الشاعر : محمد جربوعة
في
جلسة نقاش أدبية ليلية في المغيّر ، قلتُ :
العائلات
المحترمة التي تحكمها تقاليد الرقيّ ، لا يتفوه فيها الصغار بكلمة في مجالس الكبار
.. وذاك أدب الصحابة ، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم عن شجرة
تشبه المسلم ، وكان ابن عباس رغم صغر سنه ، يعرف الإجابة ، لكنه صمت هيبة ممن يكبره
سنا في المجلس، وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه..
لذلك
، يكون من أخلاق الوسط الأدبي ، أن لا يستعلي الكبير على الصغير ، وقد قلت يوما :
( إن سليمان جوادي كان شاعرا حين كنا نحن أطفالا) ..
وأنا
رغم تعصبي لديني وثقافتي ، إلا أني لا أنكر شاعرية شعراء يخالفونني فكرا وثقافة وحتى
عقيدة .. ولا أغمطهم حقهم في ذلك ، غير أني من ناحية التزامي الشخصي لا أستطيع أن أخالطهم
أو أكون معهم في مشروعهم أو حتى في ملتقياتهم وأمسياتهم ولا حتى أن أقبل صداقاتهم في
صفحتي ، نأيا بنفسي عن أفكارهم ومعتقداتهم ..
ومن
أثر غياب التقاليد الأدبية في هذه البلاد .. أن تجد الصغير يتطاول ليتجاوز من هو أدبيا
( والده) .. وذاك عندي من العقوق ..
ورغم
إنكاري لفكرة ( المجايلة) وإيماني بفكرة ( المدرسة) ، إلا أني أرى أنّ من أسوإ ما تعانيه
الساحة اليوم ، غياب معالم ( الصفوف) في الأدب .. الصفوف التي يكون التفاضل بينها ،
ليس بالعمر فقط ، بل بالإجادة ..
ولئن
كانت الأقدمية مما يعتد به في الإسلام ، أفلا يجب أن يعتد بها في الشعر؟
(لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) ..
والشاعر
الذي لا يحترم أسلافه أو سابقيه ، لن يحترمه لاحقوه ..
وأقصد
بالاحترام هنا ، ما تعنيه كلمة الاحترام فعلا ، فلا يليق بشاعر ناشئ أن يرقى المنصة
في حضور من هو أكبر منه بعقود شعرية ، إلا مستظلا بظلهم ، مهما كان نبوغه .. لأن الشعر
أدب وإحساس وأخلاق قبل أن يكون رصف كلمات ..
وبدل
أن يجمع بعضهم هذه الموسوعات أو المعاجم التي يحشرون فيها الشعراء حشرا .. كان الأولى
إيجاد قوائم صفوف للشعر .. وإلا فكيف يمكننا الحديث عن ( عميد) للشعر الجزائري مثلا
دون هذه القوائم ..
والعمادة
هنا تعتمد على السنّ مع الإجادة .. إذ لا يمكن لمسنّ يكتب شعرا هزيلا ، أن يكون عميدا
للشعر..
أقول
هذا ، واعتقادي الشخصي أنّ عمادة الشعري الجزائري حاليا يتقاسمها اسمان ، هما :
محمد أبو القاسم خمار ، وسليمان جوادي..
فهل
عملت الملتقيات الأدبية على تكريس احترام هذه ( المشيخة) التي يقتضيها ( البر) ويستدعيها
القسطاس ؟
ولو
أن الوسط الأدبي كان فعلا يحتكم إلى تقاليد أدبية ، لكان هذان الرمزان هما من يعطيان
إشارة الانطلاق ولو غيابيا لكلّ ملتقى شعري .. ولكانا حاضرين في كل أمسية حتى وهما
غائبان ..
ولئن
كان العمل الدبلوماسي ، يقتضي أن يكون للسفراء في أي بلد ( عميد) ، هو الأكبر سنا أو
الأقدم من بين كل السفراء ، فكيف للشعر أن يكون فوضى لا كبار له ولا سراة ولا مشايخ
؟
وهل
كان إعلان حافظ إبراهيم وشعراء مصر لأحمد شوقي أميرا ، إلا نوعا من التعميد ؟
لقد
مات مفدي زكريا مظلوما ..كما مات الكثير من الشعراء غيره .. واليوم يُظلم شعراء أحياء
.. يظلمون من طرفنا نحن الذين ننتمي إلى الشعر والأدب.. فكفى عبثا ..
الأستاذ
الشاعر : محمد جربوعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق