من الأخطاء الشائعة في كتابة الهمزة ... الأستاذ الشاعر : حسن منصور
الأستاذ الشاعر : حسن منصور
من الأخطاء الشائعة في كتابة الهمزة:
5 ـ قلب بعض الحروف دون منطق مقبول عند اتصال الكلمة المهموزة بحرف لاحق، مثل يقرأ = (يقرؤه؟ أم يقرأه):
هناك أيضا خطأ إضاعة الهمزة بسبب اعتبارها نقطة ضعف غير واضحة في الذهن ، ولذلك يسهل التصرف فيها وتكييفها . ويظهر ذلك جليا عندما تغلبها الحركات فتجعل (الحامل لها) يتكيف حسب الحركة بدون مبرر يرضى به الإنسان المتسائل ، كما يفعل كثير من الناس ، حتى أصبحت الأخطاء الشائعة تأخذ شكل العادة المستحكمة ، وتطوّع بعض (هواة التنظير) بوضع قواعد لكتابة الهمزة حسب الشائع . وأشهر هذه الأخطاء قلب الألف (حاملة الهمزة) إلى واو لمجرد وجود الضمة المناسبة لواو الجماعة في كلمة (يقرأ) عندما تتصل بالواو والنون ، إذ يكتبونها (يقرؤون) وكأن ما قبل الهمزة مضموم ، كما في (يجرؤون) ، مع أنه من المنطق السليم أن تبقى كما هي : (يقرأ ــ يقرأون) . ويجادلك بعضهم بأن مجرد ضم الهمزة يجعلها تقع على واو وليس على ألف ، متجاهلين بذلك أنها مضمومة من قبل ، وأن ما قبلها مفتوح لا مضموم . ولذلك فهم يكتبون المفردات المشابهة بنفس الطريقة : يبدؤو ن ، يبرؤون ، يلجؤون ...إلخ . ،والخطأ فيها واضح بل صارخ ، وهو أنهم اعتبروا كأن ما قبلها مضموم . وهناك برهان منطقي بسيط جدا على هذا الخطأ :
أ ــ لنأخذ ثلاثة أفعال ينتهي كل منها بهمزة ، الأولى مضمومٌ ما قبلها مثل (يجرُؤ) ،والهمزة الثانية مكسورٌ ما قبلها مثل (ينشِئ) ، والثالثة مفتوحٌ ما قبلها مثل (يقرَأ)
ب ــ نضيف إلى كل فعل منها (الواو والنون) فتصبح كما يلي :
يجرُؤ ---> يجرُؤون [حافظنا على رسم الهمزة على واو ]
ينشِئ---> ينشِئون [حافظنا على رسم الهمزة على ياء]
يقرَأ---> يقرَأون – يقرُؤو ن ؟
لا شك أن الرسم الأول (يقرأون) هو المنطقي والصحيح ، فإذا كنا حافظنا على حامل الهمزة في الفعل يجرُؤُ (وهو حرف الواو لأن ما قبلها مضموم) ، وكذلك حافظنا على حامل الهمزة في الفعل ينشِئُ (وهو الياء لأن ما قبل الهمزة مكسور) ؛ فلماذا لا نحافظ على (حامل الهمزة) في الفعل (يقرَأُ) وفي أمثاله من الأفعال فيبقى حامل الهمزة هو الألف لأن ما قبلها مفتوح ؟ أم أن مثل هذه المفردات (يقرأ ، يبدأ) لها رب وحدها ؟!
وبناء على ذلك لا يجوز أن نكتب (يقرؤون ، يقرؤه... إلخ . ) ، لأن عملية تليين الهمزة - من ناحية ثانية - تبين أن كلمة (يقرَأُهُ) مثلا يمكن أن تصبح (يَقرَاه) وليس (يَقرُوه) كما ذكرنا في الفصل الثاني . وعملية تحويل الهمزة إلى حرف مد (أي تليين الهمزة) برهان آخر على صحة ما نذهب إليه من ضرورة توخي الصواب في كتابة الهمزة في أي موضع من مواضعها .
6- ومن الأخطاء أيضا قلب (حامل الهمزة) الأصلية في الكلمة حسب حركتها (مع أن هذه الحركة ليست جديدة) لمجرد دخول همزة استفهام على الكلمة ؛ فكلمة (أُنَبّئُكم) مبدوءة بهمزة مضمومة ، فإذا أدخلوا عليها همزة الاستفهام قام بعضهم بقلب الهمزة الأصلية إلى واو هكذا : (أؤنبئكم) بدون أي مبرر سوى قولهم بأنها مضمومة ! وكأنّهم فطنوا إلى الضمة الآن ولم يكونوا يبصرونها أو كأنها واقعة في وسط الكلمة أصلا .. أو لتبريرات أخرى مصطنعة . وبعضهم يستهويه التنظير الأعمى فيقرر بأنه قد سبقها متحرك ، وهي مضمومة فيجب كتابتها على واو !
وأنا أقول هذا هراء ، وهذه نظرية فاشلة ، لأن همزة الاستفهام ليست أصلية ، بل هي طارئة ولا يصح في الأفهام أن نغير حرفاً أصلياً من أجل حرف طارئ أو بتأثيره ، فلماذا لا نبقي الهمزة فوق الألف كما هي؟
ثم من ناحية عقلية ومنطقية ، أريد أن أعطيكم الفعل التالي ، وعليكم أن تطبقوا عليه القاعدة التي تزعمون أنها صحيحة وأنها منطقية ، وهذا الفعل المضارع هو (أُؤَخّر) ، والمطلوب أن تدخلوا عليه همزة الاستفهام ثم أن تقلبوا(حامل الهمزة) من ألف إلى واو (حسب نظريتكم) وعندها ستجدون أن الكلمة أصبحت هكذا:
(أَؤُؤَخّرُ) ! وهل هذا الشكل شكل منطقي أو مقبول؟!
فلماذا إذن لا نبقي الأشياء الأصلية على أصولها ، ولتضيفوا ما شئتم دون المساس بالأسس (أسس البناء) حتى لا ينهار البناء ، واكتبوها هكذا : أَأُنبِّئُكم ؟ أأؤخّر ؟ .
وتشبهها في ذلك كلمة (إنَّك) حيث يكتبها بعضهم (أئنك) بعد دخول الهمزة عليها ، وهذا خطأ لا مبرر له ، والصواب إبقاؤها كما هي مع إدخال الهمزة عليها (أإنّك) ،ومن هذا القبيل كلمة (لئن) ، فالمعروف أنها مكونة من حرفين هما اللام وحرف الشرط إنْ ، وكان المفروض أن نكتبها على شكلها الصحيح (َلإن) ، ولكنها العادة الكتابية الموروثة ولو كانت خاطئة . وسنحاول مناقشة أسباب مثل هذه العادات الخاطئة في فصل لاحق إن شاء الله .
7- ومن الأخطاء المعروفة استغناء بعض الناس عن الألف (حاملة الهمزة) في بعض الظروف، كما في كلمة (يتبوّأ)، إذ المفروض طبقا للقاعدة التي يسيرون عليها أن يكتبوها هكذا : (يتبوؤون) ، أي ثلاثة حروف (واو) تتوالى ، وهو أمر غير مقبول ويفضح الخطأ بشكل لا ريب فيه، وإمعانا في تجاهل الحقيقة أو في جهلها يقومون بحذف الألف من تحت الهمزة ويكتبونها هكذا (يتبوءون) .
أما لماذا ؟ فلا تعليل له سوى شيء واحد هو أن عندهم اعتقادا أن وجود الهمزة فوق الألف يجب أن تلازمه الفتحة ، وأنه لا يمكن ضمها ناسين أن الفعل المضارع (يتبوأ) له همزة فوق الألف، وأن الهمزة مضمومة ، وأنه علينا أن نحافظ عليها كما هي ، وزيادة في فضح هذا الخطأ أسأل أصحاب هذا الاتجاه : كيف تكتبون كلمة (يتفيّأ) بعد إضافة الواو والنون إليها ؟ هل تكتبونها هكذا (يتفيؤون) وكأن ما قبل الهمزة مضموم مثل (يجرؤون) ؟ أم هكذا (يتفيئون) وكأن ما قبلها مكسور ؟ أم هكذا (يتفيءون) حيث تحذفون الألف ؟ !
فلماذا لا نحافظ على الأسس ، ولماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها ونحترمها ونعترف بأن الشكل الوحيد الصحيح لها هو هذا الشكل (يتفيّأون) ؟ .
[مقتطف من كتابي: نحو تأصيل لغوي مقنن ـ مشكلة الهمزة في اللغة العربية ـ دراسة تحليلية ـ ط2 ـ 2013م ـ الفصل الثالث ص47 ـ 60، دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع]
الأستاذ الشاعر : حسن منصور
هناك تعليق واحد:
كامل الحقّ يا أستاذ!!
إرسال تعليق