أعلان الهيدر

للنشر في مدونة محكمة النقد يرجى إرسال المادة مرفقة بالصورة على العنوان الآتي :
lagrahocine@gmail.com
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك.

الاثنين، 13 أبريل 2015

الرئيسية مــَـــــوعد النــَّـــــــخ بقلم الأستاذة : حنكة حواء ـ الجزائر ـ

مــَـــــوعد النــَّـــــــخ بقلم الأستاذة : حنكة حواء ـ الجزائر ـ


مــَـــــوعد النــَّـــــــخ
بقلم الأستاذة : حنكة حواء ـ الجزائر ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما إن يُقام العُــرس ؛ حتَى تستعـدّ بنَات القرية العازبات لمَــوعد " النّخ" ، فيه سَيتقرَّر مَصِيرهُن ، وسيَلتقيِن بفـَارس لمْ ترسمْه أحلاَمهن ، سِوى أنَّه على اختِلاف تفَاصيله سيشْبه ببَاطنِه آباءهن ، ذاك الرّجُــل الذّي يُغَــادر قبيْل الفجْـــر( لرفْع الرَّمْلة )* ، وبالضّحى يٌصفِّف جَــريَد النَّخِيل على حَــواف الكَثيب ، زوَالا بالوَاحة يسْقِــي الزَّرع ، و ظهْرا يهتَمّ بالَماشيَة ، وليْلا يتربَّع ملكَا في منْزله الجبْسيَّ المفتُوح ، يملأُ بطنَه ثريدًا ولبنًــا ثم يفتَرش الرَمل ، يتخبَّط خجِلا تحْت ردَاء الظُّلمة بيْن زوجَة مُطيعَة وحبَّات رمْل مُشاكسَة تتمرّد أحيَانًا ، لتصِل حتَّْى عينيه .

"حليمَة " بالثَّالثـة عشْــر، لاشيْء يظْهر علَـى جسمْهَا ، يُوحي أنَها مُكتَملةْ الأنُوثة غير أنّ حدِيث أمّها لهَا ؛ جعَلها ترَى نفْسَها بالثلَّاثين ، فكلمَّا حَاولَت اللَّعب مع الصِّبية نهَرتْهَا ( أنْدادِك إمعَرّسَات و جَايبَات الذرّْ )* ، لتُأكّــد كلاَمها منَحتْها قَـــارورة من السَّمن البريّ قائلة " اليُــوم النّـخ ، عدِّلي شَعْرك " ، أخذتْها مِــن يَــدهَا متذمِّرة وغَادرتْ مَع رفيقاتها حيْث الكثْبَــان الرّملية ، ذكَرتْ " زينَة " أنَ الرَّمل مَع السَّمن يُظهِر الشَّعْــر أكثَر كثَافة " أعجبْتهُنّ الفكْرة ، فظللْن يمَرِّغن رؤُوسَهُن بالتُّراب يرْمِين ضَحكَات خجُولة بين الفينَة والأخْــــرى .

كَانت الليْلة مُقمِـــرة ، هكذا يخْتَار أهْــل القريَة مَواعِيد أفْـــراحهم ، عبَق الهَــواء بالبَخُور وضُربَ (البنْديــر)* ، وجِيء بـ (المدَاح )*" سِي البَشِير" ، ابتدأ سَهرته بأغنيِة ( يا بنيّة العَرجُون ردي عليّ ... يالكَاملة بالزِّين يالسَوفيَة ) ؛ التفَّ حَولَه الشّباب يردِّدون معَه ،علَى أنَ كبَار السِّن تَمنّوا لَو ابتَدأ ب ( اغْـــرُود عاليَة ....)

علَى ضوء لهيبِ النَّار الموقدة وصَوت المَدّاح ؛ بدأتَ الفتيَات بالنَّخ ، اقتَرب العزَّاب منْهُــنَ ،حامِلين بأيْديهم عطْرا لرشَّه علَى مَن تعْجبُهم ، كَانت " حليمة " ترقبُهم من تحْت خصَلات شَعْرهَا الحبْلى بالرَّمل ، فجأة ملئَت عينًها التي تتلصّص عطْرا ، صاحَت ( أأأأأأي )، كانَ المَدَّاح ذاكَ الرجُل الخمسِيني الأرْمل من صبَّ على رأسِها كلَّ القارُورة إعجابا بهَا ،" (يا نحسِك يا حليمة ، واش درتي )*، لا رجُوع عَــن الأمْر ، فما يقضِيه موعِد النَّخ ينُفَّـــذ ، لذا تقرَّرت خطبتُها ، وعاهَدهم المَدَّاح " سِي البشير" أنَّه سيُغني الليلْة حتَّى الفجر ،هديَّة منْه لأهْل العَريـــس مجَّانًا .

ظلّت "حليمَة " طُوال اليَوم الذِّي تلَى شَاردة البَــال ، حتى إنهَا لمْ تعتَرض علَى كميَّة القمْح في الرَّحى كمَا تفْعل دوْمًا ، ولا علَى جلْب المَاء مِن البئْر البعِيدَة ... فقط تحبِس الدّمع خِشية أن تكتَشف أمّها ذلِك .

من بعيَد ظهَر " المدّاح " يسُوق حمَاره ، حامِلا على ظَهره كيسًا من خيش ، لمَحَته أمها ، فنَادت ( يَا مرحَبا بالنَسِيب ) ، بعْد التَحيَة منَحهُم مهْــرها " (حولي أبيض ) *وعشْرة دنانير ، وحدّد الزّفاف بعْد أسبوع .

انكفَأت " حَليمة " على نفْسها باكِية ، ستُزف بعْد أسبُوع لرجُل بعُمر والدِها ، كيْف ستتَعامل معَه وهِي لا تـــــعِ مَا الزَّواج أصْلاً...؟! ، مرَّت الأيَّام سَريعا ، وجَاء الموْعِــد ، خضّبت الأمّ يَــديْ ابنَتها بالحنَّاء وألبسَتها (الحُولي الأبيَض) ، ولأنها لازالَت صبيَّة صغِيرة نَحيلة ، فَقد كَانت تتشَبَّث بالثَوب خَوفًا مِن سُقوطِه علَى الأرْض ، ف" خضرة" رفِيقتُها حدثَ لهَا ذلَك ورأيْنها النسْوة عَاريَة.

دخَل "سي البشير" علَى "حليمة" ، لمْ تَره كانَت تُخْفي عينيْها بيَديْها غَارقَة بدُمُوعِها ، وكلَّما أحسَّت بقُربِه منْها زاد بُكاؤها حِــدّة وصَرخَت مُتعلِّلة بألَـم فِي بطْنها ، تعاطَف معَها وتَركَها ، نَام بعِيدا ليشْعِرَها بالأمَان وهُــو بدَواخِله يحْتَــرق ، لكنَّ الأمْــر زَاد عَــن حَدّه ، بَات يتكَرَّر كُلّ ليْلَـــة ، و الزَوْج رجُــل أرمَل لا طَاقة لهُ علَى الصَّبر ، لذَا كَان بيْن أمَرين إمَّا تطْليقُها وإمّا انْتصَار رجُولتِه ، الحلُّ الأوَّل كَان الأنجَع لطَالمَا امْتنَعت حتَى عَن الطَّعام ، زيَادة علَى مَرضِها الدّائِم .

صبَاحا ... جمَع لهَا ثيَابَها في صُرَّة ،وأشَار لهَا أنْ ترْكب علَى ظهْر الحِمَار ؛ لم ينْطق بحَرْف ، ظَلَ طُوال الطَّريق صَامتًا ، وهِي لــمْ تجْرُؤ علَى سُؤَاله ، بانَت لهاَ مِن بعِيد تبَاشِير قريتَها ، فهبَّت واقفَة ، نسِيَت أنَّها علَى ظهْر الحِمار فسَقطَت ، لمْ يهتَم لسقُوطها ، ولا هِي انْزعجت ؛ كانَت تبْتَسم خُفيَــــة ...استقْبلتْهُم أمُّها ، فسَارع قائِلا ( بنتكم راهِــي مطلقة ) ثم غادر أيضًا بصّمت ، صَرخت الأمّ وولوَلت ( واشْ ايقُولوا عليّ النَّاس ) ، بينَما " حليمة " جَرت مُسرعَة حيث أدَوات حِلاقة والِدهَا ، أخْرجَت شفْرة منْها ، وجلسَت برُكن البيْت تحْلقُ شعْرَها، ثمُّ خَرجَت ضَاحكَّة للشّارع ، تقْفِــز ... تتباَهى أمَامَ رفيقَاتها كَوْنها حليقة الرأس .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- شرح بعض المفردات العامية :

* رفع الرملة : يرفع العامل الرمل ليكون النخيل عند زرعه قريب من الماء

* أنْدادِك إمعَرسَات و جَايبَات الذرّْ: بمعنى مثيلاتك متزوجات وعندهن أطفال .

*البنديـــر: الدفّ.

*المداح : مغنّي بالأعراس أغلب ما يغنيه عبارة عن مدائح .

*يا بنية العرجون ردي عليّ ... " يالكاملة بالزين يالسَوفيَة " : مقطع من أغنية تراثية .

*إغرود عالية : مقطع من أغنية تراثية .

يا نحسِك يا حليمة : يا لحظك السيّئ يا حليمة .

*الحولي الأبيض لباس تقليدي للعروس الألوان الأخرى تلبس بالأيام العادية.

* بنتكم راهي مطلّقة : ابنتكم مطلَّقة .

*واش ايقولوا عليّ الناّس : ماذا سيحكي الناس عني .

بقلم : حنكة حواء ـ الجزائر ـ
يتم التشغيل بواسطة Blogger.