أعلان الهيدر

للنشر في مدونة محكمة النقد يرجى إرسال المادة مرفقة بالصورة على العنوان الآتي :
lagrahocine@gmail.com
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك.

السبت، 28 مارس 2015

الرئيسية أدبنا المعاصر و السقوط العلمي .. بقلم / منير راجي

أدبنا المعاصر و السقوط العلمي .. بقلم / منير راجي



           ... أدبنا المعاصر و السقوط العلمي ...

                        بقلم / منير راجي

من الواجب أن يهتم أدبنا بمختلف أنواعه من شعر و قصة و رواية بالمادة العلمية، يقول البعض: لو استعملت المادة العلمية في الإنتاج الأدبي فقد الأدب نفسه و حيويته و انتقل من عالم إلى عالم آخر..
وفقا لتعريف الأدب يبدو هذا القول صائبا إلى حد بعيد، لأن كما هو معروف أن الفن هو ما أحسه الفنان و نقله بنفس الشعور و الإحساس إلى الفرد بحيث يجعله يحس و يستجيب لأفكار الفنان... و لكن قبل كل شيء يجب أن نفهم أن دور الأدب هو غرس شيء ما في الفرد و تصليحه سواء نفسيا أو وجدانيا أو سياسيا أو ثقافيا...
إذن انطلاقا من هذه الفكرة وجب و استلزم على أدبنا المعاصر أن يتماشى مع الظروف الفكرية للمجتمع، مع مراعاة ما وصل إليه الفكر الإنساني المعاصر.
نعرف جيدا أن التكنولوجيا قد غزت العالم، فهنا يستلزم على الأديب أو الفنان أن يخاطب التكنولوجيا، و بتعبير أدق أن يخاطب العقول قبل كل شيء، حتى يتمكن من الوصول إلى الهدف..
فمثلا لو دققنا النظر في هذا البيت الشعري:

       الأم مدرسة إذا أعددتها... أعدت شعبا طيب الأعراق

فحافظ إبراهيم في هذا البيت يريد أن يبرز دور الأم في تربية الأجيال، و لكن أجد أن هذا البيت لا يتعدى فوهة الأذن و بالتالي لا يصل إلى الدماغ، فكيف يتحرك القلب و تستجيب المشاعر ؟؟
إن الفكرة التي جاءت في البيت جاءت كنتيجة، و كان من المفروض أن يكون البيت يهدف إلى ذكر تجربة مرت، حتى يتمكن القارئ من استيعاب هذه النتيجة..
إن الأدب في وقتنا المعاصر و عند الدول الراقية أدبا قد خرج من دائرة هذه الكلاسيكية التعبيرية اللفظية و دخل العالم المنهج التجريبي الأدبي انطلاقا من الحدث الذي يعتبر كالصدمة مرت بالكاتب يليها البحث عن الفرضيات، و التي تعتبر كحوار يجريه الأديب مع نفسه، و يتساءل عن السبب، بعد ذلك يلقي بهذه الفرضيات حيز التجربة..، و هنا عندما أقول  التجربة : ففي الأدب أقصد بها دراسة الصدمة من كل جوانبها قبل الحكم عليها نهائيا و إعطاء النتيجة النهائية ..
إلا أن أغلبية أدبائنا في وطننا العربي يعطون النتائج و يكتفون بها، و هذا ما يلاحظ في أغلبية قصائدنا و قصصنا و رواياتنا و بالتالي لا يمكن أن نؤثر على القارئ دون أن نبرز له جوانب التجربة ، و حتى النتيجة يمكن الاستغناء عنها في حالة إظهار التجربة و نترك النتائج للقارئ...
هذا من حيث منهجية التأليف و الإبداع، لكن ثمة موضوع آخر قد يبدو تافها و لكن أرشحه أن يكون من بين شؤون الأدب المعاصر... بحيث نجد أن أغلبية المبدعين في عصرنا يهملون اللغة العلمية و يحاولون بناء إبداعاتهم وفقا للألفاظ مع الاهتمام الكلي بالجانب الفني، و لكننا حاليا نحتاج اللفظ العلمي، و هنا أتذكر حوارا طريفا جمعني مع أحد الأدباء الشباب و هو يتناول بين يديه قصيدة نثرية كنت قد كتبتها منذ مدة و كانت تحتوي هذه القصيدة على كلمات علمية عديدة من بينها: الكلور..الكلوروفورم..التامور..فبعدما قرأها قال لي هل هذه قصيدة أم وصفة طبية ؟؟
إن الأدب هو جزء لا يتجزأ من التطور اللفظي و التعبيري.. و نظرا لتطور اللغة و أخذها الصيغة العلمية أصبح شيء حتمي على الأدب أن يتصف بالروح العلمية سواء الفكرية أو التعبيرية ، خاصة إذا أردنا من أدبنا العربي أن يصل إلى أوجه و أن تكون له كلمة في الأدب العالمي، و قد يؤدي الضعف العلمي في اللفظ إلى ضعف فكري...
أتذكر و أنا أتصفح إحدى القصص فوجدت صاحبها يقول:( النوافذ مغلقة..كل شيء في الغرفة مغلق..و هي ممتدة على سريرها و شعرها يتطاير من شدة الريح..)
فهذا كل ما يمكن استنتاجه من هذه العبارة هو أن صاحبها وقع في هفوة فكرية علمية خطيرة جدا.. فكيف يمكن لشعرها أن يتطاير و كل شيء مغلق، اللهم اذا كانت الغرفة تحتوي على غلاف جوي و ضغط متعاكس..
تقريبا نفس السقوط العلمي نجده عند الأديبة ( غادة السمان) رغم أنها تملك ثقافة علمية واسعة و هذا ما يظهر جليا في كتاباتها خاصة أعمالها (عيناك قدري..لا بحر في بيروت.. رجل المرافئ القديمة )
تقول ـ غادة السمان ـ في إحدى عباراتها من روايتها ( كوابيس بيروت ):
( في الظلام شربت قليلا من الماء و رغم العتمة شعرت بالكلس ألا مرئي يلتصق بلساني )..
نعرف أن الكلس صخر على شكل حبيبات و بلورات متراصة غير براقة فهو غير مرئي فهنا لا معنى لكلمة ألا مرئي مادام ليس هناك صنفان من الكلس هذا من جهة ..أما إذا كانت تقصد بكلمة لا مرئي شيء غير ظاهر فالكلمة ليست في محلها لأن سبق الجملة كلمة ( الظلام ) فقد وصفت الفترة الزمنية التي شربت فيها الماء فلا داعي للتأكيد مرة ثانية..
طبعا هناك العديد من الأدباء العرب من سقطوا في أحضان الأخطاء العلمية و هذا ربما قد يشوه أفكار القراء علميا ، و اعتبر ذلك خطأ فادحا لا بد من اجتنابه، و لا يستطيع الأدب العربي بمختلف الفنون أن يخدم المجتمع و أن يصل إلى ذروته إن لم يعتن بهذه الناحية، و أن يجعل منها مادته الخامة في الكتابة و التأليف و الإبداع...

بقلم / الكاتب و الشاعر الجزائري / منير راجي (وهران) الجزائر
يتم التشغيل بواسطة Blogger.