..... لغة الأدب .. أم أدب اللغة ..؟؟
.... بقلم / منير راجي
كثر الجدال و النقاش حول لغة الإبداع ، و راح كل ناقد و مفكر و أديب يدلي
بآرائه حول كيفية استعمال اللغة في التأليف و مدى أهميتها في إيصال المفاهيم الأدبية
و الاجتماعية و السياسية لدى القارئ.
الحقيقة أن لكل أديب رصيدا لغويا يمكنه من الكتابة و التأليف ، إلا أن
هناك اختلافا كبيرا في كيفية استعمال هذه اللغة و كيفية التعامل معها لغرض الوصول إلى
الهدف، فلا ننسى أن دور المبدع الأساسي هو طرح أفكار ما و جعل القارئ يقتنع بها ، و
ليس عرض كلمات و جمل تبرز من خلالها العبقرية اللغوية للمبدع..
طبعا نجد أن اللغة تختلف اختلافا كليا من لون أدبي لآخر ، فلغة القاص
ليس بالضرورة لغة الشاعر و لغة الناقد ليس هي لغة السينمائي، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار
مضمون و محتوى الإنتاج الأدبي.
كما نجد أيضا أن اللغة ترتبط ارتباطا وثيقا بثقافة أفراد المجتمع و من
خلال هذه النقطة بالذات أصبحت اللغة تسير وفقا للتقدم التكنولوجي و الرقي الحضاري،
هذا الأخير الذي أثر في اللغة و جعلها تأخذ طابعا خاصا و هذه مسألة حتمية لا مفر منها،
و أعتقد شخصيا أن هذا ليس ضعفا لغويا كما يعتقد بعض المفكرين ، و إنما تطور لها، فالكلمات
و المفردات العلمية (المصطلحات) أصبحت حاليا تأخذ جزء كبيرا في قاموسنا اللغوي ، فتزايد
الاختراعات و الاكتشافات أدت إلى ظهور مصطلحات جديدة لم يسبق لها أن وجدت من قبل و
هذا شيء منطقي و مفروض و متوقع أيضا ، كما أدت أيضا إلى تغيير مفاهيم و أفكار المجتمع
و جعلته أكثر تفكيرا و أكثر ملاحظة و أكثر استنتاجا و أقل ثرثرة، فما فائدة فخامة اللغة
إذا كانت لا تصل إلى فوهة الأذن..
إن الأدب ليس زخرفة و إنما أفكار و إصلاح و تعبير صادق عن حالة ما.
و الأديب الحق من استطاع أن يصل بأفكاره إلى قلب القارئ و أن يحرك مشاعره...
لست بصدد إنكار دور الأدب في تطوير و رقي المجتمع، و إنما أنا بصدد تغيير
مفهوم الأدب الذي تغيرت مفاهيمه عند كافة أدباء العالم ما عدا أدبائنا العرب الذين
تشبثوا بلغة أبي تمام و المتنبي..
إن الأدب ليس عاجزا عن خدمة المجتمع ، بل الأديب نفسه نظرا لعدم تمكنه
من المادة العلمية و افتقاره لها أصبح منعزلا عن المجتمع بلغته و تفكيره و حتى في طريقة
كتابته و إبداعه، فكيف يستطيع الأديب في هذه الحالة أن يغير في حياة المجتمع و يخدمه..
إذا كان الأديب يعيش بلغته في العصر العباسي و القارئ يعيش بأفكاره في
الحاضر ..هذه الأفكار التي لها لغتها الخاصة و أسلوبها الخاص، يعتقد بعض الأدباء أن
الأديب يجب أن يبقى أديبا بلغته أي باللغة التي يتطلبها الأديب، فالأدب لغة قبل كل
شيء..
الحقيقة من خلال هذا القول يظهر جليا أن اللغة هي التي تتحكم في الكتابة
الإبداعية ..ففي وقتنا الحاضر أصبحت الظروف الاجتماعية و السياسية و حتى العلمية هي
التي تفرض لغة (علمية) و هذه الأخيرة لا نلمسها في الكلمات فحسب، و إنما في طريقة التفكير
و بعد النظر و عمق المضمون و السهولة و البساطة في إيصال الأفكار إلى المتلقي....
بقلم
الكاتب و الشاعر : منير راجي (وهران) الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق