الدكتورة : كوكب دياب – لبنان -
ناموسة..!
للدكتورة : كوكب دياب – لبنان -
نــامـوسـةٌ قــامــت بــجــلـديَ تــرتـعُ
ولــهـا عــلـى قـلـبـي عــيــونٌ أربــعُ
طـنّـتْ وطـارتْ فـي الـفضاءِ وحـلّقتْ
نــحـوَ الـنـجـومِ، وبـيـتُها الـمـستنـــقعُ
تـبغي الـوصولَ إلـى فـؤادي خُــــلسةً
واللهُ يُـخـفـي الــسـرَّ فــيـه ويـمـنــــعُ
خَـسِئتْ! فلا الجلدُ استطاعتْ خــــرقَهُ
يــومًـا، ولا الـقـلـبُ انْـتَـفَـتْهُ
الأضـلـعُ
عــفـوًا إلــهـي، إنــهـا بـشـرٌ ولــكـن
أَشــبَـهَ الـنـامـوسَ مـنـهـا الـمَـــــــلسعُ
ولهـا مـن الـحـربـاءِ أفـضـلُ صــورةٍ
ومـــن الأســامـي كـــلَّ يــــومٍ بُـرْقُـعُ
ومـــن الـثـعـالبِ مـكـرُهـا ودهـاؤهـا
ومــن الـمـساوئ كــلَّ حـينٍ مـقــــطعُ
أفّـــــاكـــــةٌ فـــتّـــانـــةٌ كـــــــذّابــــةٌ
تـبني قـصـورًا فـي الـهـوا وتُـزَعْـزِعُ
بـاعـتْ بِـسـوقِ الـمـفترينَ ضـميــرَها
وَشَـــرَتْ بـــهِ مـا لا يــضـرُّ ويـنـفـعُ
مـعـبـودُهـا الـــدّولارُ وهْــــو إلـهُـهـا
فـــي كــلِّ وقـــتٍ تـتّـقـيهِ وتــضـرَعُ
أدْنَـى مـــن الـدنـيا الـدنـيئـــةِ، فـعـلُها
فـــعْــلُ الــيـرابـيـعِ الــتــي تـتـقـــنّـعُ
وقــــدِ ادّعـــتْ أنّ الـنـفـاقَ لـغـــيـرِها
بـل مـصدرٌ هـي فـي الـنفاقِ ومَـرْجِعُ
لـفّـت ودارت فـي الـمـدار ومــا درَت
أنّــــــا لــغــيـرِ اللهِ لــسْــنـا نـــركــعُ
***
ظـنّت بـخيرِ الـناس سـوءًا وهــي مِن
شـــرِّ الأنـــامِ عـلـى الأنــامِ وأوضــعُ
مــنْ يـقـترفْ ذنْـبًا يـظنَّ خُـطَى
الأَنـا
مِ
خَـطـيـئـةً، وَفْـقًا لِــمـا هُـو يَـصـنـعُ
وتــظـنّ طِـحْـنًـا مـا تـقـولُ وتـفـتري
مـثـلَ الـرَّحـى فـوقَ الـثِّفالِ تُـجــعجعُ
كَــم حـاولـتْ فـي أن يُـــصَدَّقَ قـولُها!
والــحـقُّ مـــا نـلـقـاه لا مــا نـســـــمعُ
شــهـدتْ لــهـا زمــرُ الـنّـفاقِ كـأنـــها
تــحــكـي بـــأفــواهٍ لَـــهــا وتُــرَجِّــعُ
لــيـسـت لــهــا إلا الــظُّـنـونَ أدلّـــــةٌ
أشــبــاهُ بــيـت الـعـنـكبوتِ وأضْــيَـعُ
والـنـفـسُ إن بــاتَـتْ أسـيـرةَ ظـــنِّـها
خـضـعَتْ لِـمـا قـال الـوشاةُ وشـنّــعوا
قَـسَمُ الـيمينِ سـلاحُــــــها، إنْ
كُـذِّبَتْ،
وســهـامَ غـــدرٍ فــي الـخــفاءِ تُــوَزِّعُ
رَمَــــت الـجـهـابـذةَ الـكـبـارَ بـدائـهـا
لـــمّــا رأتْ أنّ الــــيــراعَ يــــــروّعُ
لا شِـعْـرَ قــدْ فـهـمتْ ولا نـثْرًا
وعَـتْ
بـــلْ قــدْ تـحـيَّرَ فَـهْـمُها والـمَـسْـــمَعُ
مــا ذنْـبُـنا فــي جـهـلِها؟ فـســــــلاحُنا
شِـعــرٌ بــأصـنـافِ العـلـومِ مُـرَصّـعُ
إن أعـجِـبَتْ أو لـمْ تـجِــدْ مـن مُـعْجِبٍ
فَـلِـبـيـتِـها سَـــقْــفٌ وجُــــدْرٌ
أرْبـــــعُ
***
وكـمِ ادّعـتْ فـي كأسِها لي مطـــــمعًا
خَسِئتْ، فما ليْ في القـــــذارةِ مطمعُ!
فالأسْدُ تأبى الشـــــربَ من كأسٍ متى
وَلَــغَــتْ بـهـا يــومًـا كـلابٌ رضّـــعُ
ولْـتَـخـرَسَنْ، فـالـكوكبُ الـــدّرّيُّ
لــن
يَـخـفى، ونــورُ الـحـقّ دومًـا يـســطعُ
فـمـتى اسـتطاعتْ أن تُـطاوِلَ كَـعْبــَنا
حـتّى يغطّيْ الشمسَ منــــها الأصبعُ؟
فـالـشمسُ، إن نـبحَ الـكلابُ بـظـــلّها،
سـتـظـلُّ فــي عَـلـيائها تـتـشعــــــشعُ
والروضُ، إن فاحـت طـيوبُ عـبيرِه،
مــا ضـــرَّه لــوْ طــنَّ فـيـه الـخَـوْتَعُ؟
وإذا رمَـتْـنـي فـــي الـمـقـالِ دنـيـــئةٌ
فــهـي الـشـهـــــادةُ لــي بـأنّـي
أرفــعُ
واللهِ لــــو كـــــان الأنــــامُ مــلائـكًـا
لـم يـســـــلموا مـن قـولِ من لا تَخشعُ
فـلـتـعـتـذرْ لِــلّــهِ إنْ تــابــــتْ إلــيــه
فــلـيـس عــنـديَ لاعــتــذارٍ مَــوضِـعُ
هـل
يَــرْأبُ الـصَّـدْعَ اعـتذارُ لـسانِها
ولـسـانُـهـا عـــنْ ذَنْــــبِـهِ لا يُـقـلِـعُ؟!
لــيـسـتْ بــأهـلٍ لاعــتــذارٍ صـــادقٍ
كـــــلُّ امــــرئٍ بـطـبـاعِـه مـتـطـبِّـعُ
مــن كــان دَيـدَنُـها الـنـميـــمةَ
والأذى
لا شـــيءَ يَـرْدعُـهـا ولا هــيَ تُــرْدَعُ
حـسـبي بِـبُـعْديَ عــن لـــــقاها راحـةً
مـــن بَـعـدِ ذا فـلـتصْنَعَنْ مــا تـصـنعُ
واللهِ مــا بــانَ الـضُّـحى لـو لـم
تـــكن
نـضَـحَتْ بـما أضْـحتْ تـقولُ وتَـسمعُ
فـالـحقُّ مــن قـلـبِ الـبـواطلِ ظـــاهرٌ
كـالـنجمِ مــن ســودِ الـلـيالي يـطــــلُعُ
***
شـــرَعَ الإلـــهُ لـنـا الأخــوّةَ شِـرعـةً
تَـعـسًا لِـمـنْ لــمْ يَـلتزِمْ مـا
يَـــــشرَعُ!
وَ لَـعًـا لِـمَـنْ زرعَ الـجـميلَ بـمـوضعٍ
مُــتــصـحّـرٍ نـجــمـاتُـه لا تــطــلُــعُ!
بــــل مـــنْ يَـهَـبْـهُ اللهُ قـــلـبًـا طـيّـبًـا
أفَـيَـعْـتَـريهِ فــــي الـطـبـاعِ تَـصَـنُّـعُ؟
فـالـحـبُّ والإخـــلاصُ مــــنّـا شـيـمـةٌ
والـبـغـضُ مـنـهـا طـبـعُـها الـمـتـطبَّعُ
والــــرأيُ حــرٌّ عـنـدنـا بـــل ثــاقـبٌ
والـــرأيُ مــنـهـا إمّــــرٌ بــــل إمّـــعُ
والـعـقـل رَغــم الـعـلم مـنـها قـاصـرٌ
والـقـلـبُ رَغـــم الــمـالِ قَـــفْـرٌ
بَـلْـقَعُ
ولـنـا الـطـهـارةُ والـكـرامـةُ والـعُـلى
ولــهــا الــقــذارةُ والــحـقــارةُ
تَــتْـبَـعُ
ولــنـا الـمـحـبّةُ والـتـسـامـــحُ
مـنـهـجٌ
سـبحانَ مـن يـعطي الـخِلالَ ويـمـــنعُ
ضـاقـت لـهـا عـيـنٌ وعـيــنٌ حـمْلقَتْ
وعـيـونُـنا مـــن كـــلِّ قـــلـبٍ أوســعُ
كـــمْ مـــرّةٍ شَــقَّ الـشّــــــقاءُ
فـؤادَهـا
حـسدًا إلـى أنْ قُـضَّ منها المـــضجَعُ!
مِـنْ غـيظِها.. راحَـتْ تَـموتُ بـغيظها
وتَـكـادُ فــي فـــــمِها الـلّـسانَ
تُـقَطِّعُ!!
فـتَـركـتُـها وكــلابَـهـا فـــــي مَــأمـنٍ
تــعـوي لـهـم حـيـنًا وحـيـنًا تــــسـمعُ
مـا الْـهمُّ إن نـبحتْ كـلابُ حـــواسدي
تـمـشي الـقـوافلُ والـكـلابُ تُـــوَعْـوِعُ
لــن تـرتـقيْ بِـنـباحِها نـجـمَ الـــــسّما
ءِ ولـن يــهـزَّ الــطـودَ أنـــفٌ أجـــدعُ
« كَـثُـرَ الـحـواسدُ فـاسْـتَـزدْتُ
مَـهابةً
وعـلـمْـتُ أنّـــي قــدْ أضُــرُّ وأَنْـفـعُ
»
هوامش
1.أدناْ: مهموزة مخفّفة، من الدناءة، تقول: هو أدنأُ منه
2.الثِّفال: الجِلْد الذي يُبْسط تحت رَحَى اليد لِيَقي
الطَّحِين من التراب، وربما سمّي الحَجَر الأَسفل بذلك.
3.الخَوْتَعُ: ذباب الكلب, أو ذباب أزرق يكون في العشب.
4.لَعًا: كلمة تقال عند العثرة.
5.نجماتُه: مفردها نجمة وهي ما طلع على وجه الأرض من النبات
من غير ساق.
6.البيت الأخير مقتبس من قصيدة طويلة للشاعر
عبد الحليم حلمي 1887 -
1922
7.مطلعها:
سلَّمتَ بعد سُرَى الحياةِ وَوَدَّعُوا = أسفي عليكَ حفظتَ قوماً ضيّعوا
وآخرها:
ما هـــــــذه الأيام غير ضــــيافةٍ = والناس فــــــــيها راحلٌ ومودّعُ
شعر الدكتورة : كوكب دياب – لبنان -
... الـقصيدة الأولـى في الهجاء المعاصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق