أعلان الهيدر

للنشر في مدونة محكمة النقد يرجى إرسال المادة مرفقة بالصورة على العنوان الآتي :
lagrahocine@gmail.com
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك.

السبت، 30 مايو 2015

الرئيسية سيّيرَا دي مويرتي تنتهي في عين الأسرار خيبة.. منفى.. ميلاد جديد بقلم الأستاذ : أحمد مكاوي ـ الجزائر ـ الوادي

سيّيرَا دي مويرتي تنتهي في عين الأسرار خيبة.. منفى.. ميلاد جديد بقلم الأستاذ : أحمد مكاوي ـ الجزائر ـ الوادي

الأستاذ الشاعر  : أحمد مكاوي ـ ولاية الوادي ـ الجزائر


سيّيرَا دي مويرتي تنتهي في  عين الأسرار
خيبة.. منفى.. ميلاد جديد
الأستاذ : أحمد مكاوي
        أن تكون صاحب مبدأ وتنتهي بك الظروف لخيبة كبيرة يتسبب بها من يشاركك في المبدأ فتلك تجربة مرة يصعب أن تخرج منها لتبدأ من جديد ، لذا ستكون أمام طريقين :إما بداية توصل للموت بوسيلة أو بأخرى،أو نهاية تجعلك تنطلق بعيدا عن المبادئ  بعد اكتشافك زيف من دفعوك إليها ..
        بطل الرواية ( منويل)  لم يسلك الطريقين لكنه سلك طريقا ثالثا في عين الأسرار فلا هو انتهى إلى الموت ولا هو أبتعد عن تلك المبادئ  لكنه عدل من نظرته .. لتصبح خيبة سيرَّا دي مويرتي مفتاحا لرحلة في عوالم فكرية جديدة يفتحها أناس تواجدوا معه وهو يولد من رحم الخيبة الضيق ليلج اتساع التأمل والبحث عن معنى بعد فقدان المعنى في حرب خاسرة كالتي خاضها في مدينته ..
        يمضي بنا الروائي عبد الوهاب عيساوي على امتداد مائة وتسع وثمانين صفحة من الحجم المتوسط ومن إصدار الرابطة الولائية للفكر والإبداع لولاية الوادي ضمن سلسلة الروايات الفائزة بجائزة الرواية القصيرة لسنة 2014  والصادرة هذا العام (2015) في رحلة فنية متين نسجها ..عميق فكرها ..ماتع سردها.. جديد طرحها .. ليرسم لنا سيرة هذا المحارب الشيوعي  في رحلته من سيرا دي مويرتي إلى عين الأسرار..
       الرواية التي قسمها الروائي لقسمين: قسم لم يعنون وهو  الجزء الكبير من الرواية وقد يكون عنوان هذا القسم هو عنوان الرواية نفسه (سيّيرا دي مويرتي) يمتد على مساحة عشرة فصول بإيقاع بطيء ساهمت الخيبة فيه كي ينتقل بنا البطل /الراوي بين ثلاثة أماكن وزمنين: سيّيرا دي مويرتي ـ المركب ـ ربوة الريح، وزمن حاضر في ربوة الريح وزمن ماضي في المركب وسيرا دي مريتي ينقل لنا فيه مشاعر الخيبة وألم السجن والمنفى وضيق المركب ووسخه وقسوة المعاملة وتعدد العوالم البشرية وغربة المكان المتجه إليه .فكانت مشاعر الراوي بين تداعي وتذكر وحضور وذهول وقلق واكتشاف وربط علاقة بالمكان والزمان ونسج علاقات إنسانية بقيت معه في المعتقل بربوة الريح وإلى آخر الرواية (بابلو الثائر/كورسكي اليهودي المتمسك بيهوديته).
      وقسم الثاني بعنوان (بلد المنفى) انطلاقا من المعتقل (ربوة الريح) إلى عين الأسرار حيث دحمان السلمي الشيخ الذي دخل من خلاله باب الأمل وعالم الأحلام والأوهام والكوابيس أيضا فتحول إيقاع الرواية سريعا بين الغياب والموت والفراق ثم الانعتاق في نهاية الرواية والانطلاق إلى قارة ثالثة هي أمريكا  ..
      ليصبح الحيز المكاني للرواية ثلاث قارات (أوروبا إفريقيا أمريكا ).وليمتد الحيز الزمني تقريبا في حدود سنتين إضافة للزمن الداخلي الذي يعايشه بحالاته المختلفة الراوي في ثقل وقلق السجين المنفي العائد من خيبة كبيرة.
       تحيل الرواية في الكثير من أحداثها لرواية أخرى هي (الجذور) حيث تصبح الرحلة عكسية لكن الفرق أن المعتقلين هنا أوربيين جمهوريين فكمية الإهانة تختلف .
        كما تحيل الرحلة أيضا لرواية موسم الهجرة إلى الشمال حيث البطل مصطفى سعيد يواجه الغرب الفرق هنا أن مانويل يواجه مجتمعه أصلا على أرض غير أرضه ويكتشف ذاته من خلال شخص لا ينتمي لحضارته..
      ملامح عين الأسرار باهته ربما غطى عليها حضور السلمي كما غطت على سيّيرا دي مويرتي الخيبة والعلاقة التي ربطت الراوي ببابلو وكورسكي .
        تمضي اللغة السردية في الرواية لينة هينة تطوعها قدرة على تصوير المشاعر في تقلباتها وفق الظروف العصيبة التي يمر بها  البطل وتمضي  بعض التأملات لترتقي لعبارات تفلسف ما يمر به الراوي وما يراه من حوله ، ويكفي أن نعرف أن البطل مدرس أسباني يتقن الفرنسية ويتذوق الشعر ويحمل خلفية ثقافية كبيرة ، كيف لا وهو الشيوعي الذي ترك الإيمان بالإله وراءه وكفر بما يحمله مَن حوله بمختلف الديانات ، وقد بدأ تصوره للإيمان بالدين يتغير من خلال علاقته باليهودي ثم بالشيخ المسلم ليعلنها صراحة بعد تصرف الصبائحي أحمد مع أوامر الضابط بقتل المعتقلين حيث رفض الأمر من منطلق ديني في القسم الثاني من الرواية..
        هذه الخلفية الثقافية ساهمت في التغيرات الحاصلة في المعتقل سلبا أو إيجابا ، بدأ من طبيب المعتقل وانتهاء بمديره الذي اشتغل عنده مدرسا لولده. ويكفي أن نعرف كيف تغيرت نظرة الطبيب لحاله وكيف عبر عنها في نهاية الرواية ..
       هذه الخلفية الثقافة للراوي / البطل تجعله يستطيع أن  يضع العلاقة بين الأديان الثلاثة في موضع التأمل فكانت المعادلة التي نخرج  بها من الرواية برغم تعقدها تدعو لمراقبة ما يسمى حوار الأديان أو الحضارات يزيدها وضوحا ما وصفت به الحالة الدينية في الجلفا بالتصالح والتعايش حيث لا مشكلة بين المسلمين واليهود فيها بل ونجد مشاركة العرب المسلمين في المناسبات اليهودية (موت الرّبّي يعقوب) بالمدينة ..
       التحول الكبير الذي ولده لقاء الراوي / البطل بدحمان السلمي وانبهاره به .. وفتح ما كان منغلق من علاقات وأسرار يعرفها السلمي والوصول لمساعدته كي يخرج من محنته في المعتقل انتهاء بالإفراج عنه.. يجعل الجزء الأخير في الرواية ثري جدا بالدلالات والرموز يزيدها تكثيف التأمل وورود الأحلام والرؤى على الراوي ..إنها علاقة جعلت الشيوعي المادي يدخل عالم الروحانيات بل ويصرح بذلك ويقرُّ بجدواها بطريقة غير مباشرة .
       غياب بابلو بطريقة غريبة وبقائه مختفيا لا يُعرف عنه شيء أبدا يفتح باب التأويل لهذه الشخصية واسعا  خاصة عندما ارتبط الهروب بالمجحودة (المقبرة) وما يكتنف اسمها من أسرار لم يُرِدْ أحد من الذين عرفهم الراوي الحديث عنها ..
       بناء الشخصيات الواردة في الرواية متين ويسير بطريقة تصاعدية نكتشف من خلالها ملامحهم شيئا فشيئا تتوافق طبيعة كل شخصية بالأحداث التي يصنعها وكلامه بالخلفية الفكرية والثقافية التي يمثلها..ويزيد الرواية تألقا في هذا الجانب أن هناك شخصيات من هذه الرواية تستطيع أن تكون نواة لأبطال روايات أخرى .. و قد نجح الروائي في اجتياز فخ تشابه الشخصيات وتكرارها.. فرغم الظروف المتشابهة بين مانويل وبابلو وكورسكي إلا أنها من الشخصيات المكملة للبطل ولا شيء مشترك بينها إلا ظروف الاعتقال ...
      أيضا استطاع الروائي أن يوازن داخل المعتقل بين ضابط قاس جدا على المعتقلين ومدير نستطيع وصفه بالمتفهم نسبيا نظرا لمصلحته ربما التي تتحقق من خلال أولائك المعتقلين ..
        الرواية وهي تتجه لتكون سيرة منفي جمهوري سجين هي رواية تستطيع أن تكون رواية ضمن الروايات التي تتناول العلاقة بين الأنا والآخر من وجهة نظر الآخر الحيادي (غير المستعمر) فقط لا تستطيع أن تلمح  فيها سوى الجانب الإيجابي للذات ربما لإن من عرفهم كانوا طيبين معه وربما لظرفه كمعتقل .. لذا سنلمح صورة باهتة للمجتمع فهو دخل المقهى ودخل الحانة وسمع صوت المؤذن للصلاة لكن علاقته بسكان الجلفا لم تتعدى أشخاص بعدد أصابع اليد         
     ولا تكاد نلمح حضور الأنثى في الروتية  إلا قليلا  طبعا عدا الزوجة الوفية التي ما تخلت عنه أبدا في محنته وكانت السبب في خروجه من المعتقل في نهاية الرواية .. أو زوجة مدير السجن والتي كانت وظيفتها ابتسامة في وجه البطل أو بعض هدايا بسيطة /ثمينة مثل قنينة نبيذ يحملها البطل لرفاقه في السجن يحتفلون بها ..دون ذلك لا أثر للمرأة طبعا الرواية لا تتطلب ذلك والروائي   لم يكن في حاجة لإقحامها قسرا ..
      حضور الحب في الرواية كان حاضر حضور الغائب  عبر علاقة ربطت بين فرنسية وبابلو انتهت نهاية حزينة فلا لقاء إلا من خلال الرسائل لتصل الرسالة الأخيرة بينهما فلا يقرأها بابلو بل وتكون عند و صولها المرأة الفرنسية ميتة..
        تمضي أحداث الرواية دون صدف تذكر ..كل الأحداث تحيل لأحداث أخرى ولعل حس التأمل لدى المثقف داخل الراوي جعلت حضوره الذهني متحفز بطريقة جعلت الأشياء الصغيرة لا تمر عليه إلا ولها تفسير أو تساؤل يدفع بالقارئ لكي يدقق في الحالة الشعورية التي يمر بها البطل ..
         من ذلك ما ورد في الصفحة 133 من الرواية ''من الأشياء التي بقيت غامضة بالنسبة لي ، أن اليهود والمسلمين كانوا أكثر الذين يتحدثون عن الموت والمقابر ، وكأن الحياة لم تكن لتعنيهم بشي، لاحظت أيضا أن كورسكي والصبائحي لديهما بعض الجمل المتشابهة ، خصوصا إذا تعلق الأمر بالموت ، ولم أقصد وجهة النظر الدينية ، بقدر ما فكرت في علاقة الإنسان بالمكان، وهل هناك تأثيرات تجعل رجلا قادما من وارسو يتكلم عن الموت مثل رجل عاش جزءا كبيرا من حياته في الصحراء؟''
        داخل الرواية مجموعة من القصص يحاول الراوي الوصول لنهاياتها يفلح في اثنين منها لتبقى أُخر بدون نهاية ولا حل.. بدأً بطبيب المعتقل وليس انتهاء بالمحجوبة وقصتها ..
      الراوي استطاع بما يملكه من حس مثقف متصالح مع نفسه نسبيا أن يربط جملة من العلاقات تجعل رئيس الحرس العربي (الصبائحي أحمد ) مثلا  يفتح معه بابا للتحاور يعرف من خلالها بعضا من شخصية العربي ويلفت انتباهه للتناقض في بعض سلوكاته ويعلن استغرابه من بعضها من مثل شربه للخمر ورفضه تهريبها وبيعها داخل المعتقل..  
        هناك نقاط داخل الرواية تحتاج لوقفة على المستوى الفكري وهي نقاط قابلة للأخذ والرد ولعل ورودها داخل الرواية يجعل من الروائي يتحلل من تبعاتها لكن التوضيح  قد يكون ضروريا إذا تعلقت بالمجتمع المكتوب عنه  أو كانت متعلقة بأحداث تاريخية واقعية  وفي بعض الأحوال تحتاج لتفسير موضوعي لورودها بصيغة فنية خاصة عندما تكون صادمة ليقينيات سابقة في ذهن المتلقي ولا يكفي تبرير ذلك بأن الفن  هو خلخلة الساكن في المجتمع ما دام هذا الشيء متعلق بحقائق لا مجرد رأي ..

27/02/2015

من الرواية:
ـ  ''نكهة الحياة تختلف من مكان إلى آخر ، وأعتقد أن نكهة الموت أيضا،وأن للمكان وجهة نظر فيها''ص07
ـ ''إنها الحرب،وفيها لا يستطيع الإنسان المحافظة على إنسانيته،إنه يقتل ليبقى ،لينقذ جنوده،ليعيش بعدها ويندم على أشياء كثيرة ارتكبها وأخرى لم يرتكبها''ص08
ـ ''الوهم أحيانا يجعل الإنسان سعيدا ولو للحظات '' ص09
ـ ''هناك الصحراء حيث الله قريبا جدا من البشر''ص11
ـ مجموعة من الأحلام كانت تسكننا ثم للحظة سقط كل شيء،وكل الأصدقاء الذين كنا نعتقد أنهم سيفكرون بنا''ص23
ـ ''في الحرب لا أبسط من الموت''ص26
ـ''كنا قد اقتربنا من نهاية الطريق،واكتشفنا أننا محاصرون بالثلج والموت جوعا،وكان العدو يتقدم تجاهنا،ثلاثة أشياء لم يكن الصراخ أو البكاء ليجدي معها''ص56
ـ''بعد الهزيمة أصبح الجميع شعراء''ص60
ـ''أيهما أكثر قسوة،أن تموت في حرب خاسرة،أم أن تحيا في منفى بعيد؟''ص84
ـ''إننا نحن الوحيدون الذين نصنع الأعداء لأنفسنا، وفي استطاعتنا أن نربح الجميع كأصدقاء.''ص105
ـ''إن رغبات جديدة تتولد في البشر هي التي تتحكم في تصرفاتهم،طوال السنوات التي يعيشونها،سواء في الأمكنة التي يحبونها أم بعيدا عنها.''ص125
ـ'' لا تثق في الشعوب إنها لا تحب إلا جلاديها،وخطئي أنني أردت لهم الحرية،الفرنسيون لا يريدونهم إلا عبيدا،وأنا أردتهم أن يكونوا بشرا أحرارا.''(على لسان الأمير الكومبودي المنفي في الجلفا )ص138
ـ''لا نستطيع أن نورث هوسنا لأبنائنا''ص157
ـ''لحظتها رفعت رأسي إلى السماء باحثا عن مصدر القوة التي تسيير هذا العالم،ثم سمعت كلمات السلمي:لا تبحث عن شيء هناك،وضرب بقبضته صدره،كل شيء هنا.''ص158
ـ''لا تنتهي القصص إلا بانتهائنا ''ص181  

يتم التشغيل بواسطة Blogger.