بين الروائية والإمام// الدكتور: نذير طيار

 

بين الروائية والإمام

الدكتور: نذير طيار

هل هو صراع جزائري بين أنصار "الإمام" وأنصار "الروائية"؟

بين قراءات شبابية فرنسية على النت بعشرة ملايين ومشاهدات عالمية فاقت المليار؟

يتشاجرون: أيهم أعز نفرا؟

من منهم يحقق أعلى الأرقام في الترند الجزائري- العالمي الراهن؟

في الحالتين، قدم الأنصار قراءات مبالغ فيها، للحدث، لا تتواضع في فهمه وإعطائه حجمه الحقيقي.

البعض ممن أشادوا ب"الرومانسية المظلمة" لسارة إيفنس وصفوا التفاعل العالمي مع فيديو القطة والإمام وليد مهساس بالخرافة والشعوذة.

والبعض ممن تحمسوا لفيديو الإمام أكثر من اللازم كانوا قد رفضوا السرد الحدي من حيث الجنس والعنف والعبثية في رواية سارة إيفنس.

التفاعل الشبابي الفرنسي مع رواية سارة إيفنس كان طبيعيا، وكان الانتشار محكوما بمضمون الرواية الذي غذى توجهات كثير من المراهقين الغربيين حاليا من بحث عن التطرف السردي في اللغة والعنف والجنس قبل النهاية السعيدة.

التفاعل العالمي مع فيديو القطة والإمام كان عفويا، لأنه لامس عناصر عميقة جدا في النفس البشرية عن الرفق الأعلى بالحيوان وكسر صورة نمطية عن المسلم الملتحي في الإعلام الغربي واستفاد من سياق خاص جدا ليس معهودا هو حصول الحادثة الإنسانية لحظة أداء عبادة الصلاة وقراءة الإمام للقرآن في صلاة الجماعة دون توقفه عن ذلك. هي عناصر ثلاث لا يمكن القفز عليها.

ادعاء وجود إبداع خارق في الكتابة الروائية عند سارة إيفنس يقف وراء ارتفاع عدد قراءاتها على النت حكم غير صحيح، يصله كل من قرأ الرواية.

وادعاء وجود معجزة إلهية وراء حادثة القط، والقول بأنه خشع لكلام الله ورق له وأراد تبليغ رسالة الإسلام إلى العالم، فمما لا يمكن لمؤمن عاقل زعمه. وذلك لأن مثل هذه الحوادث وأكثر منها يقع في البيوت دون أن يستفيد من خاصية البث المباشر أو المسجل.

أما أسئلة: لماذا في الجزائر؟ ولماذا هذا الإمام؟ ولماذا صعدت القطة على كتفه عند هذه الآية بالذات دون غيرها؟ فليس من التفكير العقلي والإيماني الصحيح طرحها لما ذكرته قبل قليل.

كمؤمن بالله وصفاته الحسنى، أؤمن بوجود تدبير إلهي لكل حادثات هذا الكون، فالله بلغة الفلاسفة هو العلة الأولى يجري إرادته عبر النواميس والأسباب والمعادلات الكونية المخلوقة منه سبحانه وتعالى، لكني لست الله كي أدرك الحكمة من كل حادثة أو أزعم يقينا بوجود معجزة في حادثة طبيعية جدا استفادت من عوامل موضوعية لانتشارها.

وذلك لأن فيديوهات عديدة عالمية تصنع الترند بين الفينة والأخرى لأسباب موضوعية يكشفها اللبيب العاقل.

أعرف أن الأجواء الروحانية للشهر الفضيل تغذي القراءات غير العلمية للأحداث، لكن المطلوب هو روحانية عقلانية.

وأعرف أن أجواء رمضان الفضيل تغذي عند بعض العلمانيين تطرفا مذموما ضد العبادات الإسلامية.

هي موجة عابرة سيزول أثرها بعد حين.

واضح أن الإمام تعوّد تسجيل صلواته الجماعية للتراويح، ولهذا من الظلم والتعسف اتهامه بشيء كما فعل البعض، لكن قد يوجد شخص لا يعلمه أحد إلا الله، ولم يطلع على خصوصيته مع الله إنس أو جن، هو أقرب إليه من كل المخلوقات. لم تصوره كاميرات ولا صعدت على كتفه قطة.

رواية "رهينة" سارة إيفنس في نظري لا تساوي صفحة من رواية "منا" للصديق زيواني.

ولست مع الذين يستغلون حادثة "سارة إيفنس" لرفعها إلى مرتبة الروائيين العالميين أو "حادثة الإمام" لرفعه إلى درجة الفقهاء المجتهدين.

وأخيرا:

دور مواقع التواصل الاجتماعي واضح في الحالتين.

ومن يقبل الرومانسية الشبابية المظلمة لسارة إيفنس بتسعة ملايين قراءة سيقبل هذه الحادثة الطبيعية من الرومانسية الروحانية بأكثر من مليار مشاهدة.