أعلان الهيدر

للنشر في مدونة محكمة النقد يرجى إرسال المادة مرفقة بالصورة على العنوان الآتي :
lagrahocine@gmail.com
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك.

الثلاثاء، 14 أبريل 2020

الرئيسية خطاب الحداثة -حداثة النص *** للناقد الجزائري: د ـ مشري بن خليفة ....

خطاب الحداثة -حداثة النص *** للناقد الجزائري: د ـ مشري بن خليفة ....



                        خطاب الحداثة -حداثة النص
                     للناقد الجزائري: دـ مشري بن خليفة
أولا : خطاب الحداثة
سأقرأ نص الحداثة باعتباره النص الذي يتمثل السؤال: هل الحداثة أيديولوجية أم هي وعي بفعل الإنسان؟، لذا ينبغي أن نستنطق النصوص النظرية التي أسست لمفهوم الحداثة عربيا، والرؤية السائدة تؤكد على أن نص الحداثة عربيا مازال مرتبطا برؤية ومرجعية الآخر، والتي تحدد الحداثة في مفهومها بضرورة حدوث " قطيعة أساسية في تاريخ البشرية، بين نمطين مجتمعيين متغايرين كل التغاير ... " وهذا الطرح المعرفي والفلسفي الغربي لا ينبني على قراءة عميقة لواقع المجتمعات والثقافات الأخرى، والمؤسسة أصلا على الاختلاف، إن التاريخ الإنساني حتى وإن بدا ظاهريا متقطعا عبر مراحل مختلفة في الجوهر، إلا أن هذا التاريخ الإنساني عند دراسته وتحليله يظهر أن في جوهره تفاعلي وتراكمي، فهو امتداد في الزمن رغم اختلاف الأفعال الإنسانية، بمعنى آخر أن التاريخ لا يعرف القطيعة النهائية، التي يشير إليها منظرو الحداثة عندنا، فالتاريخ حدث مستمر في الزمن والواقع، ويتشكل في مسار متواتر لأن الإنسان فاعل في هذا التاريخ ويمتلك ذاكرة فردية وجماعية ، ووجود خاص له حضور فعلي على مستوى كل المراحل الزمنية التي كانت مجالا لإنتاج المعرفة. لاشك أن الحداثة في مفهومها العام، هي رفض لما هو قائم والبحث عن بديل لهذا الواقع، وهذا البديل المقترح هو الشكل الواقعي للحداثة في المجتمع. وينبغي التأكيد على الحداثة رغم أنها تتلبس بالمفهوم الإيديولوجي، لكنها ليست نصا مكتملا وجاهزا ينتظر التطبيق والتحقيق، وليست أيضا نموذجا للاقتداء تصلح لكل المجتمعات مهما اختلفت، أعتقد أن الحداثة هي تجربة " الأنا " و" النحن " و" الآخر " المختلف معا، ومن الضروري إدراك الثابت والمتغير على مستوى الواقع ، لذا كان التناقض والضدية سمة الحداثة، وهي تطرح مجموعة من المفاهيم والإشكالات المرتبطة بتحول مستمر في بنيات الإنتاج والمعرفة والثقافة والتقنية .
وعليه فإن الحداثة الغربية قامت على ثلاثة تحولات كبرى :
1ــ التحول الأول يقوم على نزعة إنتاجية واسعة، وتتجاوز الحدود التقليدية لمنظومة العمل والإنتاج، فهي مرادفة للنظام الرأسمالي والاقتصادي الحر.
2ــ وتقوم أيضا على تقدم علمي تقني مستمر وتجريبي في جميع المجالات.
3
ـــ تحول على المستوى الفكري والاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي ، وعلى مستوى المجتمع والفرد، وقد أدى هذا التحول إلى الاعتراف بقدرات الإنسان والإعلاء من حريته مع تحديد حقوقه وواجباته .
يتبين مما سبق أن الحداثة الغربية أحدث تغيرات جوهرية في المجتمع الغربي، تطورت بموجبها قوى العلم والتقنية والإنتاج ، ولم يعد هناك إنسان وطبيعة وإنما هناك " أنا " و" العالم " وبذلك أصبح مبدأ الذاتية هو القاعدة الأساسية للحداثة الغربية في المجال الفلسفي، وبذلك تحول الإنسان إلى مركز للكون ومصدرا للقيم، كما أصبح هذا الإنسان الغربي يستمد يقينه من الذات ، لذا يرى هيغل " أن الحداثة شكلت ارتدادا إلى الذات وكونت بنية علاقة مع الذات"، ومن ثم وصفها هيغل بالذاتية أو الآنية أو حرية الذات، لأن هيغل يرى أن " الحرية / الذات، هي مكون عظمة عصرنا "، وعليه أصبحت الحرية هي القيمة المطلقة للإنسان، ومبدأ العقلانية هو مفتاح أسرار الكون والحياة والموجودات ، والسيطرة على الطبيعة وإخضاعها لمشيئته.
لهذا تحدث أدونيس عن أوهام الحداثة في المجتمع العربي، والذي بالنسبة إليه مازال مرتبطا " بتاريخه ونصه المطلق ولغته ومؤسساته "، فالأزمة في حقيقتها تكمن في جوهر بنية المجتمع، الذي لم يدرس من منطلق أنه مجتمع قائم بذاته ومختلف عن المجتمع الغربي ، إن الإشكال الذي يعاني منه المجتمع العربي، أنه لم يخرج بعد من سلطة القبيلة إلى سلطة الدولة واحترام الحريات، ولهذا فإن المعرفة السائدة هي تعبير عن التقليد / والإتباع / والغياب / والانكسار /. إن معوقات المجتمع العربي كثيرة، لذا عند معاينة نص الحداثة عربيا، سنكتشف أن الحداثة لا تتموضع ضمن سياق تحول معرفي وفلسفي ومجتمعي مستمر ومتواصل، بل نجد أن المجتمع العربي شهد تقطعات وانكسارات وشروخا على مستوى التاريخ والثقافة والمعرفة والإنسان، وعليه يرى أدونيس أن هناك هوة بين عقلين سائدين: عقلية تؤسس كيانها وحضورها على الماضي، وعقلية تؤسس لوجودها على حضور وتمثل الآخر بوصفه نموذجا للحداثة. وهذا التباين بين العقلين انسحب على جميع القضايا المطروحة للنقاش والتي تهتم تحول وتغير المجتمع، خصوصا مسائل: الإسلام والتنمية والعلم والعقلانية، إن المجتمع العربي يعاني من مشكلتين هما: مشكلة النموذج المجتمعي ومشكلة الهوية والحرية، وأسباب هذا الشرخ المجتمعي يعود إلى ما بعد الحملة التتارية أو ما يسميها المفكر الجزائري مالك بن نبي مجتمع ما بعد الموحدين، وأعيد إنتاجها ما بعد الاستعمارية بكل الشروط الماضي، ولذا كانت " صدمة الحداثة " بمفهوم وتصور أدونيس، وعندما نتأمل في أزمة المجتمع العربي سنجد أن الآخر يصوغ وجودنا ومستقبلنا بشكل مكرور وفاضح، لأننا لم نعد قراءة الماضي والتراث بأدوات نقدية هي جزء من ثقافتنا، ولم نستوعب حاضرنا بالشكل الذي يمكننا أن نبني مستقبلنا بإرادتنا الحرة وفق مرجعياتنا وخصوصياتنا. لذا أصبح من الضروري أن نواجه القضايا المصيرية والجوهرية، بعقلية نقدية وبنائية، تتعمق في تاريخ الماضي وتشتغل على إدراك الحاضر بكل تناقضاته والتأسيس للمستقبل، لأن الإنسان هو ذاكرة وذات وواقع وأحلام وانكسارات وتحديات، ولا ينبغي الفصل بين كل هذه المعطيات والمحددات التي تؤسس بنية العقل وتعمل على البحث في المعوقات بكل حرية وعلمية .
إن مشكلة الثقافة العربية المعاصرة هي أزمة المثقفين أنفسهم، الذين ينطلقون في الكتابة لإنتاج المعرفة، قراءة الكتب لا من الواقع ونقده وتحليله، لذا سقطت الكثير من الطروحات والمشاريع المجتمعية، والتي كانت في أغلبها شعاراتية، ولم تكن مؤسساتية ومجتمعية، لأن الحداثة في الجوهر ليست شعارات ولا طروحات على أهميتها، أو أشكال تعبيرية، وإنما هي مؤسسات ورؤيا وأفكار وجدل وحوار وتثاقف وتأسيس ووعي وإنتاج على مستوى العمل والمعرفة ومساهمة إنسانية في بناء العولمة .


ثانيا: حداثة النص
أسقط في بعدي الأول
وجهي يغرق في وجهي
عيني تبحث عن عيني
ها إني أتمزق بين اثنين
فأنا وحدي المقتول بقتل أبي
والذنب وحيد مثلي
_ ما أسمائي ؟
_ ما أعرف لي اسما ؟
تصدع الأنا واضح في هذا النص والذي هو مقطع من قصيدة " حوار حول الأبعاد الثلاثة " للشاعر بلند الحيدري، يجسد هذا النص القطيعة على مستوى الرؤيا ويكشف الصراع أي صراع " الأنا "، وإدراك وعي التصدع داخل الذات و بين الأبعاد الثلاثة، الماضي / الحاضر / المستقبل، والشاعر في هذا المقطع النصي يتشبث بالالتئام والتوازن على الرغم من قتل الأب " الأصل "، ورغم عدم معرفة أسمائه أو انتمائه .
إن النص الحداثي ينبني على رؤيا التصدع والتخطي والتجاوز، وبلاغة فجوة التوتر والبحث عن الخلاص، ومن ثم تتحول الخطابة إلى كتابة عن الذات وعن التجربة الإنسانية ، عن سلطة " الأنا " إزاء العالم، فالرؤيا التي تشكل هذا النص هي رؤيا الكشف والتجريب، والخروج عن المعنى السائد، ولا تنصاع إلى نظام الأشياء ، وإنما تقبض على عناصر التجربة وعلى جوهر الصراع بين الحياة / الموت ، وتعبر عن العالم الذي تحاوره الذات، ويتحول النص من التعبير عن الأشياء والموجودات، إلى خلق وعي ضدي لما هو ثابت على مستوى الكتابة.
إن الحداثة على المستوى الفني تؤسس لنفسها سلطة من تحولات وتجليات الواقع، وكذلك تحقق على مستوى الممارسات النصية، إبدالات في البنيات المتعددة، ومن ثم فهي تكرس النص المغاير والمختلف، الذي يتأسس من اللغة و باللغة ويبحث عن دلالات أخرى، فكان لجوء الشعراء إلى التصوف في العمل على إيجاد رؤيا ولغة تبحر في المجهول وتعبر عن حلول الذات في العالم والله. ومن ثم اكتشف أدونيس النفري وعاد عبد الوهاب البياتي إلى عمر الخيام، وصلاح عبد الصبور إلى الحلاج ، وهي المحاولات الأولى في الشعر العربي للخروج من الأساطير التموزية والبحث عن خلاص الإنسان.
اتجه الشعراء الشباب هذا التوجه نحو شعرية جديدة أكثر عمقا وانفتاحا على العالم والتجربة ذات النزعة الصوفية، وتنهض بالحلم وتحقق الجسد في علاقته بالوجود، فاللغة على مستوى النص أداة تحدث ذلك التوتر الخلاق، وتنقل النص الشعري من الوصف إلى الكشف ، عندئذ تنزع اللغة الشعرية إلى عمق التجربة وتجلياتها وتبني خطابها على الرؤيا / الحلم.
إن حداثة النص تسعى دوما إلى تشكيل اللغة وإحداث انزياحا في الدلالات، وهذا الانزياح على مستوى النص يكسر نمطية الذات القائلة والصوت الراوي، أو ما يسميه كمال أبو ديب " الوعي الانصهاري "، ومن ثم يتشكل نصا مفتوحا على التأويل والدلالات المتعددة والمختلفة ، وعليه يتطلب معرفة شعرية عميقة لتفكيك بنيته والوصول إلى عمقه ورؤياه، لأن النص الشعري الحداثي يرتكز في بنائه على ثنائية الغياب والحضور، وكسر العلاقة التقليدية الإشارة بين الكلمات والأشياء.
أعتقد أن أية مقاربة للنص الشعري الجزائري المعاصر ، ينبغي أن تأخذ في الحسبان عند القراءة والتحليل، أن هذا المتن الشعري على الرغم من مرجعيته العربية، إلا أنه يتميز بخصوصية على مستوى التجربة الشعرية، منذ الثمانينيات القرن الماضي نجد أن الشعراء الجزائريين يبحثون عن مسارات جديدة في تشكيل النص الشعري، لذا كان شعراء الثمانينيات هم أول من كسر ارتباط النص بالواقع والأيديولوجية، ومعارضة الواقع المتأزم، والبحث عن نص مغاير بمفهوم شعري جديد ، وتجربة مرتبطة بالذات وعذاباتها، ولهذا اعتمد هؤلاء الشعراء في تجربتهم الشعرية على الهاجس الذاتي وصهر الواقع في بوتقة هذه التجربة التي أصبحت فضاء تتنازعه الرؤيا والمرجعية والواقع والحلم والذات واللغة، وبذلك تأسست شعرية مغايرة ومختلفة خلقت علاقات جديدة على مستوى بنية اللغة والتجربة، وعليه نلحظ أن النص الشعري الجزائري المعاصر، يشهد تحولات جوهرية أثناء وبعد ما يسمى العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، وهذا التراكم أدى إلى تجربة أخرى في الكتابة الشعرية، يشكل الهاجس المركزي فيها الذات وأزمتها وعلاقتها بالواقع والعالم والوجود، ومن ثم ندرك هذا المسعى في التعبير عن الذات، وهذه الذاتية تعبر عن علاقة مأزومة بينها وبين الواقع وبينها وبين الذات في نزوعها الفردي للخلاص من عذاباتها.
إن التحول على مستوى البنية النصية يقتضي تحولا على مستوى النحوية، بحيث يشهد النص الشعري هزة بداخله، ويعيد بناء الجملة الشعرية من منظور التجربة صراع الحياة / الموت، لذا يؤسس هذا النص عالمه الخاص من اللغة وباللغة والتي تشكل بداخله أنساقا متعددة ودلالات مختلفة وتحتم على المتلقي أن يصغي إليه وإلى صوته المتفرد وتجربته الخاصة، إن هذا النص يخلق علاقة جسدية بينه وبين اللغة، وتتحول اللغة داخل هذه العلاقة إلى لغة لانهائية بعيدة الأبعاد وتكسر كل ما هو نمطي .
يقول الشاعر الأخضر فلوس في قصيدة " صدى الأجراس الصامتة " من ديوانه الموسوم ب " مرثية الرجل الذي رأى " :
ألا ترى ثوب الغمامة حين يفصل
بين عيني عاشقين ؟

الآن يكتمل النصاب
وسوف يأتي عاشقي
كي يجمع الطين القديم،
ونلتقي رغم اشتعال البرزخين
كم كان إيقاع القصيدة محرقا
والبر برك،
لو تشاء بسطت بردتك البهية
فوق أكتاف الشتاء
وقلت للشيء الحزين بداخل الطين : انكسر ...
الشاعر فلوس في هذا المستوى النصي يعيد تشكيل النص وفق مرجعية الذات وانشطارها، فاللغة التي تبني الاستعارة الكبرى، تسهم بشكل عميق في إنشاء نص شعري مفارق بمستويات مختلفة، تستند إلى انزياحات الكشف وتغييب الماضي وحضور الحاضر،
ولهذا ختم فلوس نصه بقوله " وقلت للشيء الحزين بداخل الطين " القديم " : انكسر ."
وهذا الانكسار يتمحور داخل بنية ومركز النص لكي يجدد الرؤيا واللغة والمعنى والعالم.
إن البحث وقراءة حداثة النص الشعري الجزائري المعاصر، تستدعي نقدا للنص السائد وتاريخيته النصية والتحولات التي شهدها ويشهدها في تخطي وتجاوز النمطية ، والعمل على إيجاد أدوات قراءة جديدة، تجتهد في معرفة خصوصية النصوص واختلافها من حيث الرؤيا والمرجعية والممارسات النصية ، فالكتابة التي لا تطرح أسئلة جوهرية، على مستوى مفهوم الشعر وبنيته، وإعادة الاعتبار للغة التي تتأسس بها الكتابة المختلفة لا يمكن أن يكون نصا حداثيا .
عند التأمل في التجارب المختلفة في متون الشعر الجزائري المعاصر، سنجد أنه في المجمل ذو نزعة تجريبية، وهذا التجريب يتميز بخصوصية المخالفة والاختلاف والتجاوز وهاجس التجربة . ونكتشف أن الحداثة أصبحت هي مسعى الشاعر الجزائري، وهو يحاول أن يكتب نصا غير مسبوق، وهذا طبعا ليس حكما عاما ومطلقا، فالنصوص التي يمكن وصفها بالتحديث والتجريب تؤكد عند المعاينة النصية، أحدثت القطيعة النهائية والمعرفية والشكلية والرؤيوية، مع المرجعيات التقليدية والنظام الشعري السائد .
إن التجربة الصوفية أصبحت مرجعية عند بعض الشعراء الجزائريين، الذين استفادوا من التجارب العربية التي أشرت إليها سابقا، وهذه التجربة جعلت الشاعر الجزائري في حالة تجريب نصي، مبني على التناص واستلهام ذلك الإرث الشعري الصوفي، وإعادة تشكيله ضمن رؤية عميقة وحالمة في بناء نص يصدر عن الذات ويتعمق التكثيف وحوار النصوص المغيبة، ولهذا نجد مجموعة من الشعراء ذهبوا هذا المذهب، منهم على الخصوص: عثمان لوصيف وعبد الله حمادي وناصر اسطنبول وفاتح علاق وياسين بن عبيد ومصطفى دحية وأحمد عبد الكريم ولخضر بركة وعبد الله بوخالفة وميلود خيزار، وغيرهم كثير...
إن هذه التجربة جعلت الشعر الجزائري يتجه بقوة نحو النص وبنياته وابدالاته المختلفة، ويستبعد مفهوم وتجربة القصيدة بشروطها المعروفة، والشاعر ضمن هذه الرؤيا يشكل نصوصه على تكثيف الموقف والذات والزمن والمكان، والصوفية هنا لا تعني تلك المفاهيم والتصورات المرتبطة بالتصوف، وإنما هي تجربة باطنية تتصالح مع الذات المنشطرة، والتي هي بحث في أفق التجربة ورؤية الأشياء والكون والإنسان والعالم، فهي نص باطني ذاتي يتلبس بالتجربة الصوفية، وروح القلق الإنساني والوجودي والنزوع نحو مستوى عالي من اللغة التي يصطلح عليها باللغة الصوفية، ولكنها لغة تعتمد على التضاد والغياب.
يقول الشاعر عثمان لوصيف رحمه الله تعالى:  
أمطاره لا تتعب
أشدو
أصلي
فالعناصر كلها تتأهب،
شوق النواميس أستبد
ويقول أيضا في نص آخر:
آه يا امرأة
كلما قلت أعبدها
ينحني الكون لي
امرأة تتزين بكل الصفات
وتسطع في سحر
كل النساء الحسان
تجربة الشاعر الراحل عثمان لوصيف عميقة، وهي تعبر عن تجربة شعرية متميزة، ومازالت نصوصه بحاجة إلى قراءة معمقة للبحث في رؤياه ومرجعيته ومكوناتها المعرفية والفلسفية والصوفية، لأن هؤلاء الشعراء تجاربهم مختلفة، فهي " تبحث في حقل اللغة داخل فضاء الذات، لأن النص صراع بين الحياة والموت على مستوى الإبداع "، وأعتقد أن النص الشعري الحداثي بدأ يؤثث لنفسه مكانة في الشعر العربي المعاصر، ولذا فهو يتطلب قراءة نصية في اتجاهاته المتعددة والمختلفة ومساراته التاريخية وتحولات النص فيها
الأستاذ الدكتور: مشري بن خليفة
أستاذ النقد الحديث والمعاصر
شاعر وناقد


يتم التشغيل بواسطة Blogger.