الأستاذ : عصام علوش
-----------------------------
من أخطر
الأمور في الدراسات الأدبية والإنسانية أن يأخذ الإنسان بعض الأقوال العامة
مأخذ التسليم وأن يقبلها بلا دليل أو حجة أو برهان ، ومن ذلك ما يروى عن
ضعف الشعر في صدر الإسلام وهو عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه
الراشدين الهادين المهديين من بعده ، فإذا كان المقصود بكلمة ضعف مجانبة
القوة والجزالة وحسن السبك والفصاحة ، فإن هذا القول لا أساس له من الصحة
ولا سند عليه بدليل دخول الشعر في معركة الدفاع عن الإسلام ومهاجاة المشركين
بطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد كان المسلمون يجاهدون على عهده
بالسنان وباللسان . ومن منا ينسى شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن
ثابت ، وكعب بن مالك وعبد الله ابن رواحة رضي الله عنهم وكيف أبلوا في
معركة الشعر أحسن بلاء . وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بقيت طائفة
من الشعراء المخضرمين الفحول على قيد الحياة ، ومن هؤلاء بالإضافة إلى
ماذكرنا : الخنساء ، والحطيئة ، والنابغة الجعدي ، ولبيد ، وكعب بن زهير ،
وابن مقبل ( تميم بن أبي ) ، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي ، وعلي بن أبي طالب
، وأبو ذؤيب الهذلي ، والشماخ بن ضرار الذبياني ، وعروة بن حزام من متيمي
العرب الذي اشتهر بحب ابنة عمه عفراء ، ثم عبد الرحمن بن حسان ، والنعمان
بن بشير من مخضرمي العصر الإسلامي والدولة الأموية وقد خاضا في الشعر
السياسي المواكب لتطورات الأحداث... ولو تتبع الباحث أيُّ باحث شعراءَ
الحضر والبدو في هذه الآونة من كتب المختارات الشعرية كالمفضليات ،
والأصمعيات ، وكتب الحماسة ، والمختارات ، ودواوين القبائل، كديوان الشعراء
الهذليين..... ولو تتبع الباحث أيُّ باحث شعر الفتوحات الإسلامية التي
ابتدأت في حقيقة الأمر منذ عهد أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله
عليه وسلم بإرساله بعث أسامة بن زيد، ثم استمرت في عهد عمر وعثمان رضي الله
عنهم أجمعين لوجد شعرا كثيرا يُعتَدُّ به كله ، وبُستشهَد به على الفصاحة
والبلاغة واللغة والنحو بحيث لا يمكن لباحث منصف أن يصفه بالضعف بحال من
الأحوال ، ويكفينا في هذا الجانب أن نستشهد بشاعرين مشهورين من تلك الفترة
هما : أبو ذؤيب الهذلي في قصيدته العينية في رثاء أبنائه الخمسة الذين
توفوا بمرض الطاعون وفيها :
أمِنَ المَنون ورَيْبها تتـــــوجَّعُ .
والدهر ليس بمُعتِبٍ مَن يجزعُ .
فالعين بَعدهــــمو كأنَّ حِداقها .
سُملت بشوكٍ فهي عورٌ تدمعُ .
وإذا المنيَّة أنشبت أظـــفارها .
ألفـــــيتَ كلَّ تــــميمةٍ لا تنفعُ .
وتجلُّدي للشَّامتــــــينَ أريهمو .
أني لريْب الدَّهر لا أتضعضعُ ...
والقصيدة من عيون الشعر العربي ولا ريب . أما الشاعر الثاني فهو عمرو بن
معدي كرب الزبيدي في أبياته الحكمية المشهورة التي ضمنها وصية والده وفيها :
قد نلتَ مجدًا فحاذر أن تُدنِّسه .
أبٌ كريمٌ وجدٌّ غيرُ مُؤتــــشَبِ .
أمرتكَ الخير فافعل ما أمِرتَ به .
فقد تركتك ذا مال وذا نَشَـــب .
واترك خلائق قوم لا خلاق لهم .
واعمد لأخلاق أهل الفضل والأدبِ .
وإن دُعيتَ لغدر أو أمرتَ به .
فاهرب بنفسك منه آبدَ الهرَبِ .......
سألت صديقي : أليس هناك شعراء شغلهم عن الشعر الإقبال على القرآن الكريم
وعلومه فشكل لهم الدهشة والانبهار ومنعهم من نظم الشعر ؟ قال : قد يكون
ولكن هذا لا يسمى ضعفا في الشعر عند من استمر على نظمه ووجدت عنده بواعثه .
عصام علوش
-------------------
هناك تعليق واحد:
جزيت خيرا
إرسال تعليق