الأستاذ : عصام علوش
------------------------
السرقات الأدبية
بعامة والسرقات الشعرية بخاصة باب واسع شائك أُلِّفتْ فيه المؤلفات ،
وخُطَّتْ فيه الكتب ، فلقد تتبع مؤرخو الأدب والنقادُ الأدباءَ والشعراءَ
في المعاني التي أوردوها وبحثوا في الجديد المبتكر منها ، وفي المعنى
المسروق من شعراء آخرين ، فلم يسلم من نقدهم واتهامهم هذا شاعر مرموق مشهور
، ولا شاعر مجهول مغمور ، ويكفينا أن نتذكر ذلك المجلس الذي ضم المتنبي
وخصومه عند سيف الدولة ، وكيف أن أحدهم راح يقاطعه في إنشاده سيف الدولة
قصيدته المشهورة :
واحر قلباه من قلبه شبم . ومن بجسمي وحالي عنده سقم .
مالي أكتم حبا قد برى جسدي .
وتدعي حب سيف الدولة الأمم .
وأخذ يتهمه بسرقة معانيه من شعراء سبقوه ؛ مما جعل المتنبي يغادر مجلس سيف
الدولة حزينا غاضبا ، فالاتهام بالسرقة أمر قبيح جدا ، وبخاصة إذا طال
شاعرا مجيدا مبدعا كالمتنبي وهنا لابد لنا من أن نشير إلى رأي مهم أورده
قبل ذلك الجاحظ في كتابه الحيوان قال فيه " ....والمعاني مطروحة في الطريق
يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي (والمدني ) وإنما الشأن في إقامة
الوزن ، وتخير اللفظ ، وسهولة المخرج ، وكثرة الماء ، وفي صحة الطبع وجودة
السبك ، فإنما الشعر صناعة ، وضرب من النسج ، وجنس من التصوير ... " لايفهم
من قول الجاحظ هنا طبعا أنه يميل إلى الشكل دون المعنى بل يفهم أنه أراد
الصياغة الشعرية ، أو التشكيل الشعري بعامة ، وفيما يتعلق بالسرقات الشعرية
التي هي همنا هنا فما كل توافق بين شاعرين في معنى يعد سرقة شعرية ، بل إن
بعض القدماء تحدثوا عن أمر عجيب غريب هو ماسموه توافق الخواطر ، ووقع
الحافر على الحافر يكون الاتفاق فيه في اللفظ والمعنى بين شاعرين لا يحتمل
تلاقيهما أو سماع أحدهما من الآخر . وأوردوا لهذا شواهد في كتب النقد
والأدب ، وهناك بين ظهرانينا من أكد حدوث هذا الأمر .
قلت لصديقي : أنت
إذن تنفي السرقات الشعرية وتحسن الظن بالشعراء وبالناس جميعا ... نظر
صديقي إليَّ نظرة استغراب وقال :.... ياراجول ...إنما أشرتُ فقط إلى أمر
المعاني العامة ، وإلا فهناك من يسرق الكحل من العين . هناك من سرق قصائد
كاملة ونسبها لنفسه ، وهناك من سرق مؤلفات ضخمة ونسبها لنفسه ، وهناك من
كتب شهادات ما جستير ودكتوراه لغيره فنسبها غيره لنفسه ، وهناك من زور
شهادات في مختلف العلوم وادعى أنه حاصل عليها بعرقه وكد جبينه ، وهناك
...وهناك ... وهناك ...... تركت صديقي ـ لرغبتي في الدخول إلى الحمام ـ
وأنا لا أسمع إلا يا رارجول ...ياراجول . ولم أعد أدري ما قال في غيابي .
عصام علوش
-----------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق