الدكتور : حبيب مونسي
------------------------------
متى نكتب نقدا عربيا؟؟
متى نقرأ أفكارا نحن بُناتها.. نحن منتجوها؟ نحن مستهلكوها؟؟؟
أم قضاء علينا أن نُحل الآخر فينا.. روحا وفنا وفكرا ولغة؟؟؟
=====
أخي ..صديقي.. أو كن من تشاء...
إنني اليوم في شغل شاغل.. فكلما قرأت لأستاذ من أساتذتنا الكرام وهو يتحدث
عن القراءة والكتابة والتلقي وغيرها من مقولات الحداثة في الفكر النقد..
لا أجد شيئا يخصني أنا العربي الذي يمتلك تراثا قائما على فعل إقرأ وعلى
دعوة أطلب العلم من المهد إلى اللحد.. فكل ما أجد هو استشهاد بالآخر، وعرض
لفكره، وبسط لآرائه، واستحسان لتوجهه. وكأن فيصل الموضوع بين يديه وأنا
وأنت لا نملك إلا التصديق والقبول والإذعان.. هذه حالي اليوم وأنا أقرأ
المقال تلو المقال، وأسترجع في ذاتي أقاويل لا تعد ولا تحصى، يمكن أن تسد
مسد الآراء التي يؤثث بها كتاب المقالات مقالاتهم.. فلم تعد المقالة بين
يدي عربية الروح واللغة والفكر والتصور، وإنما هي مقالة غربية كتبت بألفاظ
عربية وحسب.. إنني مثلك لا أجد سبيلا للفكاك من قال بارت وقالت كرستيفا..
وليس لي أن أقول قال عبد الله حمادي وقال عبد القادر العشي وقال عبد القادر
عميش وقال نور الدين السد وقال ساري محمد.. على سبيل التمثيل... وغيرنا
كثير.. لي فقط إن أردت أن أكون من كوكبة الأنتليجنسيا أن أقول قال دريدا
وقال فوكو.. لا تظنن -صديقي - أنني ضد هؤلاء.. لا بالعكس أقرأ لهم، في
لغتهم لأستفيد أكثر، ولكن ألوم أهلي الذين حولوا الأدب والنقد العربي ألى
نقد غربي.. غربي الفكرة والمعيار والمفاهيم.. وكأنني فقدت العقل والقلب
والفؤاد فقدت الحس والانطباع.. ليس لي أن أقول في الشعر رأيا إلا إذا مررت
بحانوتهم أتعطر بعطرهم.. وليس لي أن أقول برأي في السرد إلا إذا دخلت
مخدعهم وأصغيت إلى تخاريفهم وأحاجيهم..
أنا مثلك -صديقي- أرزح تحت نير
آلاف المقولات التي أستهجنها ولكني أعجز أن أقول فيها شيئا.. فهل رأيت
ناقدا عريبا (عربيا حقا) أنكر على "بارت" قولا وسفه موقفا.. أو آخر أشجع
منه خطّأ غريماس؟ لا أبدا.. لا في مشرق العرب ولا في مغربهم.. إننا كلنا من
المحيط إلى الخليج نُسبح بحمدهم في كل مقال وفي كل خطاب.. أنظرت حولك إلى
أؤلئك الطلبة المساكين وهم ينجزون مذكرات التخرج.. ليسنس.. ماستر
..ماجستير.. دكتوراه.. كلهم.. ومن دون استثناء يبدأون بحوثهم بمسارد لأفكار
الآخر يحتمون بها قبل بدأ العمل في مداخل وفصول تطول وتطول..ولو سألتهم:
أكان للعقاد رأي في هذه المسألة؟ أكان للرافعي؟ أكان لعز الدين إسماعيل..
لعبد الملك مرتاض.. لمحمد مصايف.. لبدوي طبانة.. لمصطفى الشكعة.. لعمر
فروخ.. للنويهي.. لابنت الشتطئ.. إنهم لا يعرفون أحدا من هذه الأسماء...
لأننا أنا وأنت غيبناها من دروسهم.. من محاضراتهم.. وأحللنا مكانها آخرون..
أنا وأنت.. يا صديقي وغيرنا.. كلنا شاركنا في المأساة.. فهل لنا أن نراجع أنفسنا قبل فوات الأوان...
حبيب مونسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق