بقلم
الأستاذة : حنكة حواء
خَـــطّ
النّـــــــار
.....................................
اليَــوم
أنَا عَارضَة أزيَــاء مشْهُورة ،هيْفــاء القــدِّ جمِيلة ، ببطْن مُسطّح أسْطُوري
، بشْرتُه صَافية، لا يُشبه أيَّ حيَــوان ، كمَا قالَ طبيبِي النَّفسِي ، مؤكِّدا
أنَّ بطْنِي يشْبهنِي ... طبْعا حصَل هــذا بعْد عمليَّات تجْميل كثِيرة وتنْحيف ،
بعْتُ لأجْلهَا كلَّ ما وَرثتُه عنْ أبِي منْ عقَــار ونخِيل ، ودفَعت أيْضا أشيَاء
أخْــرى ثمِينَة (...) ، الشَّيء الأَوحَــد الذِّي حصَل ولــمْ أنْدم لاحِقًا عليْه
، هُــو أنِّي تخَّلصت مِن عقـَـدي القديمة ،أوَّلها مُعايَرة أختي " مَريم
" لي " ببَطن النَّمر " ، فكُلما أرادَت التَّقليل مِن شَأني أمَام
رفيقَاتي ، ترفَع ثَوبي عَــن بطنِي عنْوة وتقُول " اهْــربُوا ...نمِر هُناَ
سيلتَهمكــم هَمممممْ" ، يغْرق الجَميع في ضحِك هستِيري ، وأغَادر أنَا للبيْت
بَاكية مسَائلة :
-
لمَ وكلّ الأطْفال ببُطُون مُخطَّطَة ، لا يَرون سِوى خُطُوطِي ؟!
الكلّ
سكِّين الكيّ تمرّ علَى بطْنِه ، لمَ أنا خطُوطي عنْدهُم مُشكِلَــة ؟؟!
همسَت
لِي صَديقتِي " منى " بعْــد الحَادثَة ، أنَّها ستُوافق علَّى لَّعِبي معَهُم
، لو اسْتخْدمت بطْنِي (سبُّورة )!!!! .
كبُرت
الخُطوط مَعي ، ظلت مُلتصقَة بجسَدي واضِحة كمَا اللَّعنَة ، ومَا إن امْتلأ جسْمي
وصِرتُ كَالـ( بقَــرة ) بعيْن أمِّي ، تَوالدّت تلْك الخُطوط البُنِّية خُطوطًا أخْرى
بيْضَاء ، أيّ نحْس هَــذا الذِّي ضَاجعَها!! ، وجَعلَها تتكَــــاثَر ... طبَيب التجْميل
الخاصِّ بِي ،فيمَا بعْد طمْأنني أنَّها أثَــر السِيلولِيت ، في حِين أنّ أخْتي
" مريم" رَأتنِي قَــد تحوّلت من " نَمـــر" إلَى " شِرشْمانة
ضَخْمة " ، بينَما أبِي ظلّ يَــراني ( الدبّ ) الجَميل ،حتّى بعْــد أنْ تغيَّرت
تقَاسيمِي وتَفاصِيلي ، مِن كَثْــرة عمَليَّات التَّجمِيل ، التِّي لَـم أعُـد جرّاءَها
أشْبه أمِّــي أوْ أشْبهُه .
فِي
قريتِنا يعْتبَر الكيّ أكثَر وسَائل العِلاج والتَّأديب شُهــرة ، فمَع كُلّ إشْراقَــة
صبْح ، هنُاك مَــوقِــد بأحَد البُيــوت يسْتعِدّ لرِحْلة التَّعذيب وسِكين مُتآكلة
تتَربَّص ، مُتمَوضِعة بأحَد جَوانبِه ، تنَام بصَمت التَّمَاسيح بمِقبَض فَي الثّرَى
ونصْل بالنَّار ، تنْتظِر عمَلها الاعْتيَادي ( صَهد نَار وجسَد طفْل لتُحْرقَه ).
الأطفْال
فِي قريَتِي لا يصْحون كمَا أطْفال العَالم ، كلّ طفْل ينْهَض كمَا اللصّ ، ينْزَع
الغطَاء عنْه برفْق ، يمْشي الهوينى ، تستَطيل حدَقة عينِه ، لتَلتصِق مبَاشَرة بالمَــوقِد
تُجْـري لَه فحْصًا دقيقًــا ، إن ثبت أنَّ بِه ثَــرى ، حمَل ساقيْه وثيَابه وهَــرْول
للوَاحَة ، وانْ لَــم يجِد بهَا شيْئا ، تثَاءب بصَوت عَال وصَرخ :أرِيد خُبز الرُّقَّاق
الآن ... حتَّى الأطفَال تعايَشوا مع الوضْع و صَاروا يتلّوَّنُون كمَـــ(الحِربَاء)
حسْب سكِّين الكيّ فِــي حضُورهَا وغيَابِها بالمَــوقِد ، فمرَّة يكونُون الجَلاَّد
ومرّة الضّحيّة .
أمّي
تَــرانِي الشَّقية الوحِيدة ، برُغم ( تَــزِّينة ) الأوْلادِ التّي أنْجبَتْها ، ولأنِّي
نحيفَة فهِي تعُــوز ذلكَ لمَرض فِي بطْنــي ، أو ربَّما لأنِّي صيْــد سَهْــل كَوني
لا أُجِيد الهَرب ، لذا تُعَــالج إخفاقاتها فِي الإمْسَاك بإخْوتِــي بِي ، فــ
"مريم" كَانت رشيقَة سَريعَة ، "الأخْضر" مُناور بَارع ، لا يمْسكون
في الغَالب سِوى بقطْعة مِن ثيَابِه ، بينمَا " مصباح " مُدهِــش في سُرعَة
القفْــز علَى الجِدَار وربَّما نَالوا مِن أثَــره سِوى حِذَاءه ... لذَا كنْت الضَّحية
التِّي لا يمٌرّ أسْبُوع إلاَّ وسِكينٌ تعَانِق بطْنًها ... فــ"عمِّتي لامِعة
" المُتمَرِّسَة فِــي الكيّ، تتفَنَّن فِي رسْم الخُطوط ببَطني بتًؤدَّة دُون
رحْمة ، غيْر آبهة بصُراخي وتوسُّلاَتي ، ولا حتَّى لعيُون الصِّبيَة الفضُولية الفَــزعَة
، التِّي تجَمهَرت لتشْهد الحَـدثَ ، فيُرسَم بذاكِرتهِم الفتيّة دوْريًّا طَريق جَديد
للخَلاص ، ربَّما " كسْر السِّكّين " ربَّما " مَوت العمّة لامْعَة
" ربّما مُرورًا أسْرَع للزَّمَن ، وكانَ عنْدي حُلم وحيد ( اختَفاء الخُطَوط
)
لذا
أنَا الآن عارضَة أزيَاء ، "مَرْيَــم "راقصَة بالِيه ، "الأخْضَر"
عَــدّاء سبَاقات سُرعَة ، و" مِصباَح " بطَل القفْــز عَلَى الزّانَـــــــة
..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرشمان :
حيوان صحراوي قريب الشبه بالسحلية .
حنكة حواء
ـ الجزائر ـ الوادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق