أعلان الهيدر

للنشر في مدونة محكمة النقد يرجى إرسال المادة مرفقة بالصورة على العنوان الآتي :
lagrahocine@gmail.com
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك.

الخميس، 16 أكتوبر 2014

الرئيسية المؤرخ الناقد والناقد المؤرخ // نادية بوغرارة

المؤرخ الناقد والناقد المؤرخ // نادية بوغرارة

 الأستاذة : نادية بوغرارة 
---------------------------
المؤرخ الناقد والناقد المؤرخ // نادية بوغرارة

________________________________


من وقفات خلال قراءتي لـمؤلف : المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام

__________________________________________________

من أجل أرضية للمقارنة و المقاربة أوردُ أدوات ومواصفات من يكتب في التاريخ،

عبر عرض وجهة نظر المؤرخ العراقي جواد علي، أصوغها كما يلي:

_ على المؤرخ أن يشخّص كل جوانب التاريخ، فلا يقتصر على إبراز المزايا والمناقب،كما أنه لا ينبغي أن يمتهن تتبّع العثرات والمثالب.

_ المؤرخ يجب أن يكون وصافا عالما عادلا.

_ من غير المحمود كتابة التاريخ على خلفية اعتناق أفكار مدرسة معينة من المدارس ،فيكون تفسير التاريخ وفقاً لديانتها أوعقيدتها أو أفكارها .

_ الابتعاد عن النظر إلى تاريخنا من زاوية ضيقة، وتبني الانفتاح على ما كتبه المعارضون .

_ على المؤرخ ألا يحصر مسألة التأريخ على الجوانب السياسية ،إنما يلمّ بكل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والفكرية.

_ المؤرخ يكوّن فكرته ويبلور رؤيته انطلاقا من واقع الظروف التي صُنع فيها التاريخ ،لذلك وجبت معايشته للحقب التاريخية المدروسة لنقلها بأكبر قدر ممكن من الموضوعية والمصداقية.

_ على المؤرخ أن يتحدث عن كافة الطبقات المجتمعية، عن الخاصة وعن السواد،فلا يستثني أحدا، لأن الجميع أطراف معادلة أسفرت عن نتيجة معينة، أي إقصاء لمكون منها يوقع اللبس ويعتم التأمل والتحليل،ويربك التفسير والتعليل.

_______

ألا تشبه بعض هذه العناصر - أو ربما كلها - عمل الناقد ؟

إن ما ذكره الدكتور جواد علي من شروط واجبة في رأيه لدى المؤرخ حتى يصدق فيه وبه إنتاجه، يمكننا وبثقة أن نسقطه على عمل الناقد.

النقد أم الانتقاد ؟

كل من المؤرخ والأديب يحمل على عاتقه مهمة غاية في النبل غاية في الحساسية، وهي نقل ما هو حاصل إلى المتلقي القارئ أو الباحث،وبالتالي يُطرح شرط الأمانة ودقة البحث وتحري الأصدق والأصوب،وحجم الاطلاع والشمولية في التعاطي مع النص أو الحدث...

كل ذلك مطلوب في الناقد كما هو الحال عند مؤلف التاريخ.

إنهما يلتقيان في نقطة رصد كل جوانب العمل الأدبي، مواطن قوته ومواطن ضعفه.

يقول جورجي زيدان عن النقد :

" إن الانتقاد يعني إبراز جوانب الاستحسان والنقص على السواء،

وإن كلمة (انتقاد) ليست تعني إحصاء العيوب وحدها "

وبهذا يلتقي عمل المؤرخ والناقد في النظرة الثنائية للحدث أو النص، حيث يسلط المجهر على السلبي والإيجابي معا، وإن كانت الغلبة لأحدهما على الآخر، هذا التوازن المطلوب يترجم تحريك عين النقد صوب مجمل مياه العمل وفحصها لقياس درجة العذوبة من حيز لآخر، ونقلها بكل أمانة.

ومن أقول المؤرخ جواد علي في هذا الشأن :

"النقد العلمي الحق إنشاء وبناء، والمدح والإطراء في نظري ابعاد لطالبي العلم من أمثالي عن العمل والتقدم،وسبب يؤدي إلى الخيلاء والضلال، وفوق كل ذي علم عليم."

الوصف والعلم والعدل

هل الناقد يجب أن يكون كما المؤلف، وصافا عالما عادلا ؟

بالنظر إلى العملية النقدية نلاحظ أننا أمام شروط تعتبر من أدبيات وأساسيات النقد الشريف المسؤول،فالناقد أولا يصف عبر قراءة أولية ونظرة شمولية للنص، حتى وإن تجاوز عن التعبير كتابة عن هذه المرحلة،لأنها وقفة ذهنية لربط علاقة محكمة الصلة بين الناقد والنص.

وهذا يجرنا إلى السؤال :

هل يكون نقد بدون علم؟

إن العلم مطلوب للقيام بالنقد،وللخوض في أي أمر بغرض تقييمه.

وهو شرط لا يمكننا أن نمر عليه مرور الكرام، إذا لا يعقل أن يحكم على جودة بضاعة ما شخص غير خبير بالمواصفات الجيدة ،غير قادر على تمييز وجود عناصر الجودة من عدم وجودها، ولذلك كان لكل صنف من صنوف الأدب نقاده الحاذقون المتمكنون، زادَهم التخصص درجة وفضلا عن غير المتخصصين،باستثناء الموسوعيين الذين برعوا في أبواب معرفية متعددة.

لكن هل يشترط أن يكون ناقد الأدب أديبا؟ أو ناقد الشعر شاعرا؟

أن يكون بارعا مُجيدا في كتابة الصنف الأدبي الذي يمارس النقد في فضائه؟

هذا السؤال أجاب عنه واقع الحال،

إذ بإلقاء نظرة على رواد النقد، يلاحظ المتتبع أن أغلب النقاد في الأدب - العربي خصوصا - لم يكونوا أصحاب نبوغ في الإبداع، مثلما نجد أغلب العروضيين ليست لديهم إنتاجات شعرية تذكر.

وهي ظاهرة تناولتها الدراسات،تشرح الأسباب وتعرض النماذج الداعمة لها والاستثناءات الخارجة عنها،وأنتجت لنا الناقد الذكي غير المبدع ، والناقد الذكي باهت الإبداع، والناقد الذكي الذي جمع الموهبة الأدبية المبهرة وموهبة النقد معا.

وتبقى مفاضلة جودة النقد بين كل من الناقد المبدع والناقد غير المبدع،تصدّقها أو تكذّبها التجربة حين يوضع العمل النقدي بدوره تحت المجهر.

ننتقل إلى شرط العدل لدى المؤلف والأديب معا،وهو عنصر مهم جدا في ممارسة النقد، لأن الناقد يصدر حكما مسبقا على النصوص (أو يوحي بها ) فيلعب دورا كبيرا في تأسيس الإنطباع المسبق للقارئ حول عمل ما،وبالتالي فهو يؤثر بطريق غير مباشر على تذوق فئة كبيرة من القراء للمُنتَج.ولا يخفى ما للنقد من سلطة على صيت العمل الأدبي،وتاريخه.

عنصر الانفتاح في التأريخ والنقد

كون الناقد ابن بيئته،واقعٌ يصعب إغفاله،فهو وإن اجتهد لا يستطيع أن يتخلص من إرث إيديولوجي مرجعي يحمله في وجدانه وعقله، لكن مهمة النقد تتطلب تنزيه الرؤية النقدية عن كل مؤثرات تبعد الناقد عن الموضوعية المطلوبة في بحثه.الناقد ملك للجميع ومهمته عامة غير محصورة بفئة معينة من الأدباء ،إلا إن اختار غير ذلك وضيّق واسعا .

ولكي يحقق هذه المعادلة يشترط أن يبتعد عن إسقاط معتقداته وأفكاره على النصوص ، وأن يتحرى الحكم الموضوعي على العمل بتطبيق المعايير التي تناسب كل عمل عمل .

بالإضافة إلى هذا يفترض فيه أن يكون ملما بظروف العمل ومحيطه وزمنه، وأحيانا كثيرة بحياة الكاتب،لقراءة العمل على بينة وبصيرة.

ولهذا لا يفتر الناقد عن تنمية زاده المعرفي بالعالم من حوله، من ثقافات وفنون أخرى،و كلما زاد هذا الرصيد كلما اتسعت مساحات التأمل،وتفرعت سبل البحث، مسهمة بشكل فعّال في خلق صورة متكاملة لا ميل فيها إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، تمتح من أكثر من منهل لتحقق أعدل صورة ممكنة، بموضوعية وحياد. وترك مهمة تحديد علامة الإبداع للمتلقي وللتاريخ.

____

على هامش المؤلَّف:

أشعر وأنا أقرأ بعض خواطر الدكتور جواد علي ،بدء من حديثه عن المسار الطويل المتعب الذي يمر به قبل أن يخرج عمله للوجود، و هو من هو في مركزه العلمي والأدبي،مرورا بوقفاته الأدبية خلال تناوله التاريخي، وانتهاء أنه لم يكن فقط مؤرخا بل أديبا يعرف كيف يعزف على الأوتار الحساسة، فيجلب القارئ أكثر لمتابعة الإبحار في كتاباته التي ربما تبدو من الخارج جامدة متكلسة لا تغري بالسبح.

وها هو تواضعه يحدّثنا عنه، حين قال :

" أنا رجل أعتقد إن الإنسان مهما حاول أن يتعلم،فإنه يبقى إلى خاتمة حياته جاهلاً، كل ما يصل إليه من العلم هو نقطة من بحر لا ساحل له. ثم إني ما زلت أشعر أني طالب علم، كلما ظننت إنني انتهيت من موضوع، وفرحت بانتهائي منه، أُدرك بعد قليل أن هنالك علما كثيراُ فاتني، و موارد جمة لم أتمكن من الظفر بها، فأتذكر الحكمة القديمة :العجلة من الشيطان "

رحمه الله ونفعه ونفعنا بما ترك من علم.

_______

نادية بوغرارة

16 - 10 - 2014


يتم التشغيل بواسطة Blogger.