مذكرات VUP
===============
دكتوراة في قلة الأدب!
===============
التحقت بداية 1996، قبل سفري إلى ألمانيا لدراسة دكتوراة الرياضيات، بمعهد تدريب المعلمين التابع لوكالة الغوث في رام الله بدوام كامل بعد أن كنت أعمل فيه بدوام جزئي (بالتوازي مع عملي كمحاضر في جامعة بيرزيت).
أوكلت عرافة حفل التخرج لدكتور في الكيمياء خريج فرنسا. كان الحفل في حقيقة الأمر للمتوقع تخرجهم في نهاية الفصل الثاني، فقد كان في الحفل مثلا طالبان رسبا في مواد كنت أدرسها ولم يكن هناك أمل في نجاحهما. لا أنسى نظرات أحدهما إلي أثناء طابور الخريجين، فقد كانت مزيجا من الكره والاستعطاف في آن، أو هكذا خيل إلي. لا أدري ماذا حصل لهما؛ فقد أغلقت سلطات الاحتلال المعهد بعد عملية استشهادية قام بها أحد الطلاب وسافرت إلى ألمانيا قبل إعادة فتحه.
كنا في جمع من الأساتذة عندما بدأ عريف الحفل في التدرب على الإلقاء، فهالني كمُّ الأخطاء الذي وقع فيه. قلت له: لو طلبت من أحدهم أن يشكلَ لك أواخر الكلمات كي لا تقع في كثير من الأخطاء، فقال: فعلت ذلك!
أراني الأوراق التي بين يديه فصدمت. كانت الكلمات مشكلة بالفعل وبلون مختلف عن لون النص الأصلي، ولكنك لا تكاد تجد سطرا يخلو من خطأ، وأنا هنا لا أتحدث عن أمور معقدة في النحو، بل عن الأبجديات التي يتقنها طالب المدرسة!
ومما أذكره، وأنا طالب في الثاني الثانوي العلمي عام 1986 أن عرافة حفل في المدرسة الشرعية/الخليل أوكلت إلى الأخ سمور الزغير، وكان في التوجيهي وقتها. وعندما طلب من أستاذنا الفاضل عقل ربيع أن يساعده في شكل الكلمات، قال له: أعطها لجواد.
==========
ولا مانع هنا من أخذ فاصل للتنويه بأهمية التعزيز للطلاب.
رب كلمة تعزيز لا يلقي لها الأستاذ بالا تعلي ثقة الطالب بنفسه 70 ربيعا، ويحدث عنها أحفاده. ورب كلمة تعزير لا يلقي لها بالا تهوي بثقة الطالب بنفسه 70 خريفا، ويخجل من نفسه كلما نكئ الجرح الغائر في روحه.
وقس على ذلك كلمات التعزيز/التعزير التي يوجهها الآباء والأمهات لأولادهم. لهذا أنكر استهجان بعضهم احتفاء الآباء والأمهات بنجاحات أولادهم، وإن كانت صغيرة، متناسين أهميتها في التعزيز.
ولا أذكر أني مررت بمنشور لنجاح ولد لأحدهم قط، ولو كان في الروضة، دون أن أبارك أو أعجب به على الأقل وهذا أضعف الإيمان.
==========
نواصل ....
تسرعت، وسألت عريف الحفل ممازحا وضاحكا بسخرية: من الحمار الذي شكل لك هذه الكلمات؟
وهنا ساد الهدوء التام، ولم أدرك مدى الحماقة التي وقعت فيها إلا عندما رأيت إحدى الزميلات، وهي دكتورة في اللغة العربية، وقد احمر خداها وكأنهما حبتا بندورة ناضجتان.
ساد الصمت عدة ثوان خلت أنها الدهر قبل أن تقول الدكتورة الفاضلة: "أنا معي دكتوراة في الأدب مش في النحو"، فقلت في نفسي: "لا والله، معك دكتوراة في قلة الأدب. آن لأبي يونس أن يمد رجليه ولا يندم على ما قال."
ثم طلبت أمامها من عريف الحفل أن يعطيني الورقة لأصلح له ما وقعت فيه "الدكتورة" من أخطاء وما أكثرها!
جواد يونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق