الأستاذ : عصام علوش ـ سوريا ـ ... إذا ذكرتَ كثرة المغامرات مع النِّساء عند شاعر ....

الأستاذ : عصام علوش ـ سوريا ـ

إذا ذكرتَ كثرة المغامرات مع النِّساء عند شاعر ....

إذا ذكرتَ كثرة المغامرات مع النِّساء عند شاعر، فإنَّك تذكرها عند عُمَرَ بن أبي ربيعة، وإذا ذكرتَ شاعرًا بكثرة تنقله بين امرأةٍ وأخرى، كمن يتنقل بين زهرةٍ وأخرى أو بين جوهرةٍ وأخرى، ذكرتَ في هذا عمر بن أبي ربيعة، وإذا ذكرتَ الشُّعراء الذين كانوا يتلصَّصُون على النِّساء في الحجِّ أو العمرة في عصر بني أميَّة كان في طليعتهم عمرُ بنُ أبي ربيعة، وإذا ذكرتَ الغزل الصَّريح بإيماءاتهِ الماديَّة وإشاراته الحسِيَّة ذكرتَ عمرَ بنَ أبي ربيعة... قيل إنَّه ولد في اليوم الذي قُتِل فيه عمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه، فأخذ الناسُ إذا تذكَّروا هذه المناسبة يردِّدون قول الحسن البَصْريِّ فيه :" أيُّ باطلٍ وُضِع وأيُّ حقٍّ رُفِع "، نفاه الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى جزيرة " دهلك " لكثرة مغامراته وقصصه المشبوهة مع النساء، وخوفًا عليهنَّ من الافتتان بشعره، فقد كان عمر بن أبي ربيعة جميلًا وسيمًا بَهِيَّ الطلعة موسِرًا مُعتدًّا بنفسه فخورًا بشخصيَّته، يُصوِّر نفسه في شعره بأنَّه المعشوق لا العاشق، والمطلوب لا الطالب، والمتبوع لا التابع، وكان شِعره من أرقِّ الشِّعر وأعذبه وألطفه، يزيد من تأثيره أسلوبُه القصَصِيُّ الشائقُ المحبَّب للنُّفوس، والذي يكاد لا يجاريه فيه أحد. قال ابن جريج : " ما دخل على العواتق في حِجالهنَّ شيءٌ أضرّ عليهنَّ من شعر عمر بن أبي ربيعة " ، ولعلَّ طلاوة شِعره الغزلي هي ما جعلتْ حَبْرَ الأمَّة عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه يحرص على الاحتفاء به، وسماع شِعره الغزليِّ في المسجد الحرام، ذكر صاحب الأغاني أنَّ ابن عبَّاس رضي الله عنه كان في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسألونه، إذْ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبيْن مَصْبوغيْن مُورَّديْن فجلس، فجاء إليه ابن عبَّاس فقال أنشِدنا، فأنشده قصيدته " أمِنْ آلِ نُعْمٍ أنت غادٍ فمُبْكِرُ، حتى إذا أتى على آخرها قال له نافع : إنَّا نضرب إليك أكبادَ الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحَلال والحرام، فتتثاقل عنَّا ويأتيك غلام مترف فينشدك   :

رأتْ رجلًا أمَّا إذا الشمسُ عارضتْ

 فـيـَخْــزَى وأمَّـا بـالـعَـشِيِّ فـيَـخْـسَرُ
فقال ليس هكذا قال، وإنَّما قال :
رأت رجلًا أمَّا إذا الشمسُ عارضت

 فـيَــضْحَى وأمَّـا بـالـعَشِيِّ فـيخْصَرُ
فقال: ما أراك إلا حفظتَ البيت، فقال: أجَلْ. وإن شئتَ القصيدة كلَّها، فسمعها منه حتى أتى على آخرها... ومن أبياتها الجميلة وكلُّ أبياتها جميل :
أمِـنْ آلِ نُـعْـمٍ أنــــت غــادٍ فـمُـبْــكِـرُ

غـــداة غـــــدٍ أمْ رائــحٌ فـــمُــهَـجِّــرُ

تـهـيـمُ إلى نُـعْـمٍ فلا الشَّــمْــــلُ جامعٌ

ولا الحَبْلُ مَوْصولٌ ولا القلبُ مُقْصِرُ

ولا قُـرْبُ نُـعْـمٍ إن بـدَتْ لــــــك نافعٌ

ولا نـأيُـــهـا يُـسْـلي ولا أنتَ تـصبـرُ

إذا زرت نُـعْـمًا لم يزل ذو قــــــرابةٍ

 لهـا كــلَّمـا لا قـــيْـــتـهُ يـــتــــنــمَّــرُ

عـزيـزٌ عـلـيْـهِ أنْ أُلِـمَّ بــبَـــــــيْــتِـهـا

يُسِّرُّ ليَ الشَّـحْـناءَ والـبُـغْـضَ يُـظهِـرُ

وبتُّ أناجي الـنَّـفس أين خِـــــــبـاؤها

وكـيْــفَ لـما آتي من الأمْـرِ مَـصْـدَرُ

فدلَّ عـليْـها القـلـبُ ريَّا عــــــرفـتُـهـا

لها وهـوى الـنَّـفس الـذي كاد يَـظهـرُ

فـحـيـَّيْـتُ إذ فـاجـأتُـهـا فــــــتـوَلَّـهَـتْ

وكـادت بـمـخْـفـوض الـتحـيَّةِ تجْـهَـرُ

وقالت وعضَّتْ بالبنان فـضَحْـتـــــَني

وأنــت امْـرؤٌ مَـيْـسورُ أمـرك أعْـسَرُ

فو اللهِ ما أدري أتـعْـجــــــيـلُ حـاجـةٍ

سَرَتْ بك أم قـد نام مَن كـنـتَ تَـحْذرُ

فقلتُ لها بل قادني الشَّوْقُ والــــهوى

 إلـيـكِ وما عـيْنٌ مـن الـنَّـاس تَـنْظـرُ

ومن جميل سَرْدِهِ القصصيِّ وكلُّ سَرْدهِ القصَصيِّ رائعٌ وجميلٌ :

لـلَّـتـي قــالــتْ لأتــــــــــــرابٍ لـــهـا

قُــطُــفٍ فـيــهـنَّ أُنْـــــــــسٌ وخَــفَــرْ

قـد خَــلَـوْنا فــتَــمَــنَّــيْـــــــــــن بــنـا

إذْ خـلَوْنا الـيَــوْمَ نُـبْــــــــدي ما نُـسِرْ

فـعـرفـنَ الشَّـوْق في مُـقْـلـتِـــــــــــهـا

وحُـبـابُ الشَّـوْقِ يُـبــديـهِ الـنَّــــــظـرْ

قـلـن يَسْتـرضـيـنَـهـا مُـنْـيَـــــــــــتُـنـا

لـو أتــانـا الـيَــوْمَ في سِــرٍّ عُــــــمَـرْ

بـيـنـما يَـذكُـرْنَـني أبْـصَرْنَـــــــــــنـي

 دون قـيْـدِ المـيـل يَــــعدو بي الأغَـرْ

قـالـتِ الكبـرى أتعــــــــــرفْنَ الـفـتى

 قـالــتِ الـوسْـطى نعَـمْ هـذا عُــــمَـرْ

قالتِ الصُّغـرى وقـد تـيَّـمْــــــــــتُـهـا

 قـد عَـرَفـنـاهُ وهـل يَـخـفى الـقــــمَـرْ

يُروى أنَّ عمر بن أبي ربيعة عاش أكثر من سبعــــــين عامًا، وقد تاب في أواخر حياته عن قول الغزل والتشبيب بالنساء توبةً نَصوحا، ونذر إنْ قال في الغزل بيتًا واحدًا أنْ يُعتِق في مقابله رقبة، فقال لجاريةٍ له في يومٍ ما، وقـــــد أخذ منه الشَّوْق والطرَبُ كلَّ مأخذ :
تـقــولُ وَلـيـــدتـي لـمَّـــــــــا رأتْـــني

طربتُ وكـنـتُ قد أُسْـــــلـيـتُ حِـيــنا

أراكَ الـيـومَ قـد أحْـدَثْـــــــــــتَ عهْدًا

 وأوْرَثــكَ الـهــــوى داءً دفــــــيـــنـا

بـربِّـكَ هـل سمـعـتَ لــــــــها حديـثا

فشـاقـكَ أو رأيْـــتَ لــــهـا جَــبــيــنـا

فــقــلـتُ شــكـا إلـيَّ أخٌ مُـــــــــحِــبٌّ

 كـمِــثْــلِ زمـانِــنـا إذْ تَـــــذكُــريــنـا

وذو الشَّجْوِ الـقـديـم وإنْ تــــــــعـزَّى

 مَشـوقٌ حـيـــن يَـلـقى الـعـاشـقـيـنـا

ثم عدَّ الأبياتَ فإذا هي خمسة، فأعتق خمس رقاب.. قلت لصديقي : سبحان الله ! حالُ كثيرين من البشر ومنهم الشعراء ينطق به قول الشاعر دريد بن الصِّمَّة : صَبا ما صَبا حتى علا الشَّيْبُ رأسَه

فـلـمَّـا عَــلاهُ قـال لـلـبـاطــــل ابْــعـدِ
فقال صديقي : صدقتَ . من تاب تاب الله عليه، واللهُ يتوبُ على مَن يشاء .

عصام علوش ـ سوريا ـ