أعلان الهيدر

للنشر في مدونة محكمة النقد يرجى إرسال المادة مرفقة بالصورة على العنوان الآتي :
lagrahocine@gmail.com
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك.

الخميس، 26 فبراير 2015

الرئيسية الأستاذ : عصام علوش -- وقفَ ابْنُ خفاجَةَ أمام جبلٍ

الأستاذ : عصام علوش -- وقفَ ابْنُ خفاجَةَ أمام جبلٍ



 الأستاذ : عصام علوش
يَصْعُبُ على المرء أن يتحدَّث عن حِسِّ الطَّبيعة عند الشُّعراء الأندلسيِّين دون أن يُعَرِّجَ على الشَّاعر الجَنَّان أو الشَّاعر البُسْتانيِّ صَنَوْبَريِّ الأندلس إبراهيمَ بْنِ أبي الفتح بْنِ عبد الله بْنِ خفاجةَ الأندلسيِّ هذا الشَّاعر الذي كرَّس للغزل ووصْفِ الطبيعة في جزيرة شقْر الأندلسيَّة معظم شِعْره امْتدَّتْ به الحياةُ سنواتٍ طِوالًا ، وبلغ من العُمُر عِتيًّا حتَّى فقَدَ معظمَ أصدقائه وأصحابه وأحبابه ، وودَّع الواحدَ منهم تِلْوَ الآخر وشَيَّعه إلى مَـــثواهُ الأخير ، فشعر بالسَّأم والضَّجَر والمَلَل ، وصارت حالُهُ حالَ زهير بن أبي سُلْمى الذي رَدَّدَ منذ زمـانٍ بعيدٍ مِن قَبْلِه :    سَئِمْتُ تكاليفَ الحياة ومَنْ يَعِشْ      ثَـمـانـيــنَ حَــوْلًا لا أبَـا لـكَ يـَسْـأَم                    
وقفَ ابْنُ خفاجَةَ أمام جبلٍ واسعٍ مُمتدٍّ شاهقٍ يُطاول أعنانَ السَّماءِ بغاربه ، ويَزْحَمُ شُهُبَها بمنكبيْه فتخيَّلَ فيه الشَّيْخَ المُعمَّرَ المُشابه له في حياتهِ بمراحلِها المختلفة وما فيها من مواقفَ متغايرةٍ وتناقضات ، بل وجد فيه مرآةً عاكسةً لنفسه المفجوعة الحزينة على فراق الأهْل والخِلَّان ، فأنطقه بأحاسيسهِ ومشاعرهِ وهَواجسهِ ووَساوسِهِ وأفكاره ورُؤاه ، وجعلَ كلَّ ذلك على لسان الجبل لا لسانِهِ هُوَ في انْدماجٍ كاملٍ وتمازُجٍ كُلِّيٍّ هو من الرَّوْعة بمكان . فها هو الجبلُ شيْخٌ هَرِمٌ لاثَ عليه الغيْمُ عِمامةً سَوْداءَ لها من لمْعِ البَرْقِ ووميضِهِ ذُؤابةٌ حمراء.. هذا الجبل الشَّاعر أو هذا الشَّاعر الجبل مرَّ عليه الطيِّبُ والخبيثُ ، واللِّصُّ والشَّريفُ ، والصَّالح والطَّالح ، و الماجن اللَّاهي ، والنَّاسِكُ المُتعبِّدُ ، فخَبِرَ هؤلاء جميعًا ، وتحدَّث عنهم في مشهدٍ حِواريٍّ أخَّاذٍ عامرٍ بالتَّفكُرِ والتَّأمُّل والحِكْمَةِ وبُعْدِ النَّظر . يقول :  
بـعَـيْـشِكَ هل تـَدْري أسُودُ الجنائِب تَـخُـبُّ بـرَحْـلي أمْ ظُـهـورُ الـنَّـجـائـبِ
فما لُحْتُ في أولى المَشارقِ كوْكبًا فأشْرقَ حتَّى جـئْـتُ أخْرى المَـغـاربِ
ولـيـلٍ إذا مـاقـلـتُ قد بـادَ فَانـْقـضى تـَكشَّـفَ عن وَعْــدٍ من الـظَّـنِّ كـاذبِ  
وأرعـــنَ طــمـَّــاحِ الـــذُّؤابــةِ بــــاذخٍ يــُطــاوِلُ أعْــنـانَ الـَّســمـاءِ بــغــاربِ
يَسُدُّ مَـهَـبَّ الـرِّيــحِ مـِن كُـلِّ وِجْهَـةٍ ويـزحـم لـيـْـلًا شُـهْـبـَهُ بـالـمَـنـاكِـبِ
وقـــورٍ عـلى ظَـهـْـرِ الـفَـــلاةِ كــأنـَّـهُ طـوالَ الـلَّـيـالي مُـفْـكِـرٌ بـالـعَـواقِـبِ
يَـلُـوثُ عَـلَـيـْهِ الـغَـيْـمُ سُودَ عَـمـائمٍ لها من وَمـيـضِ الـبَرْقِ حُمْرُ ذَوائـبِ
أصَـخْـتُ إلـيــهِ وهْـوَ أخْـرَسُ صامـِتٌ فـحدَّثـَني لـيْـلَ السُّرى بالـعَـجـائبِ
وقــالَ: ألَا كَـمْ كـنـْـتُ مَـلْـجَـأَ قــاتِـلٍ ومَــوْطـِـــنَ أوَّاهٍ تـَبـَـــتـَّـلَ تـــائـِـــبِ
وكــمْ مَــرَّ بـي مـن مُــدْلِـجٍ ومُــؤَوِّبٍ وقـالَ بـظِـلِّي مـِن مـَطِـيٍّ وراكِـــبِ
فـمـا كـان إلَّا أنْ طـوَتـْهُـمْ يَدُ الـرَّدى وطـارتْ بـهـِمْ ريـحُ الـنَّوى والنَّوائبِ
فـمـا خَـفْـقُ أيـْكي غَيْـرَ رَجْفةِ أضْلُعٍ ولا نَـوْحُ وُرْقي غَـيـْـرَ صَرْخةِ نــادِبِ
ومـا غَـيـَّضَ السُّلْـوانُ دَمْـعي وإنَّـمـا نَزَفْتُ دُموعي في فِراق الصَّواحِبِ
فـحتَّى متى أبْقى ويـَظْـعـَنُ صاحِبٌ أوَدِّعُ فــيــهِ راحـِــلًا غَــيــْــرَ آيـِــبِ
وحتَّى متى أرْعى الكـواكبَ ساهِرًا فـمِـنْ طالِـعٍ أخْرَى اللَّيـالي وغَارِبِ
فَـرُحْــمــاكَ يـامَـوْلايَ دَعْــوةَ ضــارعٍ يَـمُـــدُّ إلـى نُـعْــمــاكَ راحــةَ راغِـبِ
فـأسْمَـعَـني مـِن وَعْـظِـهِ كُلَّ عِبْـرَةٍ يُـتَـرْجـمُـهـا عَـنْـهُ لـسانُ الـتَّـجــارِبِ
فَسَلَّى بما أبْكى وَسرَّى بما شَجـا وكان على عَهْدِ السُّرى خَيْرَ صاحِبِ
وقـلـتُ وقـد نَـكَّـبـْتُ عَـنْـهُ لـِطِــيـَّـةٍ سَـلامٌ فــإنـَّـا مـِن مُـقـيــمٍ وذاهـِــبِ

قلتُ لصديقي : ما ذُكِرَ ابْنُ خفاجةَ إلَّا ذُكِرَتْ قصيدتُهُ هذه في وصْف الجبل وكأنَّه لا قصيدةَ له سِواها ! فقال : لابْن خفاجةَ شِعْرٌ رائقٌ كثيرٌ في وصف الطَّبيعة والغزل وفي غير ذلك من الأغراض ، ولكنَّكم قوْمٌ لا تقرؤون . فاسْتَحْيَيْت



يتم التشغيل بواسطة Blogger.